الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سريلانكا.. والموجة الراديكالية الثانية

شهدت سريلانكا يوم عيد الفصح المصادف للحادي والعشرين من شهر أبريل الجاري هجوماً انتحارياً على كنائس وفنادق، أدى إلى موت أكثر من 300 شخص، وأعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم على شبكة الإنترنت، ويبدو أن المهاجمين هم من التابعية السريلانكية، ومن المعتقد أنهم تلقوا مساعدات خارجية لا شك في أنها جاءت من الشرق الأوسط.

وهذا العمل الإرهابي لم يغير واقع الحال بشكل كبير بالنسبة للسريلانكيين، الذين ذاقوا مرارة حرب أهلية دامت طويلاً وانتهت قبل عشر سنوات، ويمكن وصف تلك الحرب بحسب المصطلحات الشائعة في منطقة الشرق الأوسط بأنها «صراع طائفي»، ولكنه ليس بين السنّة العرب والشيعة الإيرانيين، بل بين البوذيين السنهاليين وجماعة التاميل الهندوسية، وفي تلك الحرب، كان المسلمون والمسيحيون خارج دائرة الصراع، ولم يلعبوا أي دور يُذكر فيها.

في سريلانكا، يمثل المسلمون والمسيحيون أقلّيتين لا تزيد نسبتهما على عشرة في المئة من مجموع عدد سكان الجزيرة، ولم تكن هناك أسباب يمكنها أن تدفع المسلمين والمسيحيين للاقتتال.


وفي سريلانكا أيضاً، لم نسمع بأن المسيحيين اعتدوا على المسلمين أو اضطهدوهم، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: لماذا تم الاعتداء عليهم مؤخراً بدلاً من الأغلبية البوذية التي تحكم البلاد؟.


ليس هناك من تفسير لهذا غير القول بتأثير الأفكار السياسية المتطرفة، الآتية من الشرق الأوسط.. ففي عقلية نشطاء الإسلام السياسي المتطرف، ينقسم العالم إلى عالمين، إسلامي وغير إسلامي، وفي هذه الأيديولوجيا المرفوضة، يُنظر إلى العالم غير الإسلامي على أنه يمثل «الغرب» لأن الغالبية العظمى من سكانه هم من المسيحيين واليهود، وكانت الحرب الشاملة ضد هذا «الائتلاف المسيحي - اليهودي» من أكثر الأفكار التي حملها أسامة بن لادن خبثاً، وتبنَّاها أسلافه من بعده.

وكُتب لهذه الدعوة المغرضة أن تنتشر في بعض الأوساط المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة تزيد على ثلاثة عقود، ووجدت صداها في المنطقة التي لا تزال تسودها معتقدات تاريخية تعود إلى فترة حكم السلالات الإسلامية، التي حكمت خلال العصور الوسطى، وتمتد تلك المنطقة من الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط حتى إيران وقسم من شبه الجزيرة الهندية، وهي التي خضعت لحكم الأمويين والعباسيين، وكانت تعاليم الفقه الإسلامي متجذّرة في صلب القوانين التي تحكم هاتين الدولتين.

والمفارقة التي تستحق الإشارة إليها هي أن الإسلام لم ينتشر في جنوب وجنوب شرق آسيا عن طريق تطبيق التعاليم والقوانين الفقهية، بل عن طريق التجار الذين استخدموا السفن لعبور المحيط الهندي حتى بلوغ شواطئ المحيط الهادئ، وكانت التعاليم الفقهية بالنسبة للسكان المحليين قد اختلطت بالكثير من العادات والتقاليد لتنتج عن هذا المزيج صيغة أكثر اعتدالاً وأقل تطرفاً للإسلام في آسيا.

وللأسف، وبعد ثلاثة عقود من انتشار الدعوات الإسلامية المتطرفة والمغرضة في أوساط المغرّر بهم، أصبحت تلك الدعوات شائعة عند بعض المجتمعات الضيقة في تلك البلدان البعيدة، ويمكن أن ندعوها «الموجة الثانية» من التعصب والتطرف الأعمى حتى بلغت «منطقة المحيط الهادئ الهندية»، والتي تستحق أن نوليها الكثير من عناصر الحذر والترقّب.