الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قيمة الأدب.. وحدود «الأخلاقي»

هل من الضروري أن يكون الأدب متخلقاً، أي مردداً للنظام الأخلاقي الاجتماعي؟.. سؤال قديم/‏جديد، لا يزال مستمراً في ثقافتنا إلى اليوم، وكأن ما يحدث في الزمن الذي نعيشه ليس إلا الصورة الطبيعية والمتكررة لماض يستيقظ فينا لدرجة أن يصبح جزءا منا، وكأن كل ما يرويه الكاتب حقيقي ويحيل إليه، فتصبح الكتابة في عرف حراس الأخلاق مجرد إشاعة للاأخلاقي، ولا ندري مثلاً كيف يصف الكاتب حالة اغتصاب دموية دون الحديث عن الفعل المبرر داخل النص، ولا كيف يواجه الكاتب إرهابياً يتخفى وراء الدين دون نقد للظاهرة واستثمارها.

قتل سقراط لأنه اتهم بنقد الأخلاق المتسيدة والدين والمجتمع، وكان كبير الفلاسفة لكن لا شيء شفع له، حوكم فلوبير عن مدام بوفاري بحجة أنها رواية غير أخلاقية، وتشجع على الانحلال الأخلاقي والانتحار، فأوقف وكيل الدولة نشر الرواية، وفي ثقافتنا العربية لم تعان رواية مثلما عانى نص «ألف ليلة وليلة» الذي تم حرقه العديد من المرات.

الحياة الطبيعية يخترقها بشر متنوعون يقومون بما يقوم به الكائن الحي في الحياة الاجتماعية والحياة الجنسية والحياة الدينية، وكلما كانت غنية وتحترم حاجات الإنسان الطبيعية، ساهمت في بنائه بشكل صحيح، وماذا يفعل الكاتب غير نقل هذه الخصوصيات البشرية، أي أن النص يتحول إلى مرآة حية ترسم هذه الحياة، ولكن من خلال مادة أدبية هي في النهاية وسيط رمزي لرسم هذه الحياة. أي أن الكاتب لا يرسم الحياة كما هي بشكل فج ونقلي وحرفي، ولكن عبر التخييل، فهو باستمرار في حالة تفكيك وتركيب، كما أنه لا يكتب عن كائنات «مريخية»لا يربطها بالأرض شيء ولكن عن كائنات من لحم ودم، تحس وتأكل وتشرب، ولها طقوسها الحياتية المعتادة، لهذا لا يمكن أن يكون الحديث عن الدين أو السياسة أو الجنس من وجهة نظر نقدية للممارسات البشرية، شيئاً مضاداً للأخلاق، عندما يصبح ابتذالاً مقصوداً لذاته ولا يضيف أي شيء للنص الروائي فهو يضر بالكتابة والذائقة قبل الأخلاق ذاتها.


وللأسف، بسبب القصور في تصور وظيفة الأدب، فقد تمت مصادرة الكثير من النصوص العالمية، ظلماً، بحثاً عن مجتمعات الصفاء الأخلاقي، مثل رواية لوليتا التي توبع كاتبها قانونياً وأخلاقياً، ومنعت الرواية من التداول في أمريكا والكثير من البلدان الأوروبية، لكن قوة النص جعلته ينتقل من المحلية إلى العالمية.. الترجمة قادت لوليتا إلى العشرات من القراء عبر العالم، فجعلت من الرواية واحدة من أهم النصوص العالمية التي صدرت في القرن العشرين.


تحتاج مجتمعاتنا العربية إلى الكثير من التقبل والتسامح، ولا تنغلق على الأخلاقي بالمعنى الضيق. الأدب يظل قيمة رمزية ولغوية تنشأ في أفق آخر وأنساق أدبية ثقافية يجب الاقتراب منها وفهمها، بدل الحكم عليها من بعيد.. إذا توقفنا عند حدود الأخلاقي، سنمر على حافة الكثير من النصوص العالمية.