الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الفضيلة الغائبة في العقول الخائبة!

«إعادة النظر» هي الفضيلة الغائبة في هذه الأمة، وقد غربت هذه الفضيلة ولن تشرق من جديد تحت شعار الثوابت والرواسخ والتمسك بالمبدأ وعدم التفريط والتنازل.. وهكذا صار الحوار مع العربي عبثياً وإضاعة للوقت لأنه يدخل الحوار كأنه في معركة أو مباراة يريد أن يفوز فيها، ويرى أن إعادة النظر في أفكاره وآرائه هزيمة وتنازل لا يليق به، وغياب فضيلة إعادة النظر أدى إلى توقف نمو العقل الجمعي والفردي العربيين، ولم يعد هذا العقل يريد أن تخرج منه فكرة خاطئة أو تدخله فكرة صائبة، بل هو لا يستطيع أن يرفض أو يقاوم قمامة الأفكار، فقد أصيب العقل العربي بالإيدز الفكري وانهارت المناعة العقلية العربية، فصارت عقولنا مرتعاً لفيروسات فكرية لا نستطيع لها رداً.

وعندما انهارت المناعة الفكرية والعقلية العربية أصبح عالي الأمة سافلها وسافلها عَاليها، وذهب ما ينفع الناس جفاء ومكث الزبد في الأرض، وقد عذّب الله تعالى قوم سيدنا لوط عليه السلام بما اُسمِّيه القلب المادي، بأن جعل عالي القرية سافلها، أما الآن فإن القلب صار معنوياً بأن يصبح عقل المرء في نعليه أو في شقه الأسفل، فيرى ويسمع ويتذوق ويحكم على الأمور بشقه الأسفل، ويصبح سجين ذاته وملذاته، ويتحسس بطنه فإذا كانت معدته ممتلئة فإن الأمور كلها على ما يرام، وإذا كانت خاوية فإن كل الأمور سيئة.

وحين تنهار المناعة الفكرية ويصبح الشق الأسفل هو الحاكم بأمره فينا، يكون كل شيء قابلاً للبيع والمساومة، ويصبح الخلاف فقط على الثمن وليس الخلاف على رفض أو قبول البيع، وهكذا نرى في أمتنا أوطاناً تباع، وديناً يباع، وشرفاً يباع، ومواقف لمن يدفع أكثر، ونرى شعارات ليس لها أيّ مدلول، وليس عجيباً أن تكون الشعوب العربية أكثر شعوب الأرض تأليفاً وتلحيناً وأداءً للأغاني الوطنية، وأقل شعوب الأرض وطنية، كما أنه ليس عجيباً أن نكون أكثر شعوب الأرض في ترديد كلمة (أحبك)، وأقل شعوب الأرض فعلاً للحب وأكثرها فعلاً للكراهية.


العربي تأخذه العزة بالإثم والجهل، ويتمترس حول أفكار سقيمة وخاطئة، لذلك صارت قماشة العربي مهترئة وبالية، ولم يعد هناك ما نقدمه للبشرية سوى العنتريات، وتغيّرت مصطلحات المد القومي، مثل: النضال والكفاح والفدائي والرفيق والخائن والعميل، لتصبح في المد الإسلامي المزعوم: الجهاد والاستشهادي والأخ والمرتد والكافر، ولم يتغير شيء ولم نتقدم خطوة، بل تأخرنا خطوات لأننا لا نريد أن نعيد النظر، فإعادة النظر هي الفضيلة الغائبة في العقول الخائبة!.