الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

في الخصوصيَّة الثقافيَّة المغاربيَّة؟

هل هناك خصوصية ثقافيَّة مغاربيَّة تجب العودة إليها وقراءتها بتبصر وتأمل؟.. نقصد بالخصوصية، إمكانيَّة الإضافة المغاربية للحقل الثقافي العربي عموماً، من خلال منجزه الذي تدخل فيه عوامل ثقافيَّة وحضاريَّة متعددة.

البلدان المغاربيّة تملك القدرات الثقافية التي تؤهلها لتكون أكثر فعالية مغاربياًّ وعربياًّ وإفريقياّ، ومتوسطياًّ وعالمياًّ أيضاً.. تملك الطاقة البشرية والمعرفية العالية التي تؤهلها لذلك، فقد وصلت الثقافة المغاربية إلى درجة عليا من التنور واكتساب المعارف والفكر، وضعتها في مستوى يحقق لها بعض التمايز وإمكانية الإضافة.

البلدان المغاربية ليست مجرد مستهلك سلبي، عربيا وعالمياًّ، فالمغرب الأقصى ليس بلد زراعة، وسياحة، وفوسفات فقط، وليست تونس بلد القطن والتمور وزيت الزيتون، والسياحة فقط، وليست الجزائر بلد النفط والغاز واليورانيوم والذهب، والتمور العالمية فحسب، وليست موريتانيا بلاد السمك والفلاحة والفوسفات والصيد البحري فقط، وليست ليبيا أرض نفط وغاز وتمايز مناطقي فلاحياً فقط..


هناك ما هو أغنى وأهم وأبقى.. تلك الطاقة البشرية الخلاَّقة ثقافياًّ وإبداعياًّ، التي ارتقت إلى أعلى المراتب العالمية، ويمكنها اليوم أن تؤسس لنموذجية مغاربية قادرة على العطاء والتعاضد الثقافي العربي.


هناك نسيج تاريخي مشترك بناه جيل حقيقي، كانت رؤاه وطنية وقومية وإنسانية، خارج الوطنيات الضيقة، ودفع الثمن غالياً بسبب خياراته الثقافية والحضارية.. لا حل مغاربياًّ إلا بالانتماء إلى الثقافة المستنيرة والعودة إلى كل العناصر المجمعة لهذا الكيان.. لا بديل، في ظل العجز السياسي وقصور في الرؤية والتحرك الفردي المعزول، والصراعات المبطنة وغير المعلنة، والكيد للبعض في سياق الاستسلام لنظام دولي لا يسمح بأية خصوصية، إلا بتطوير الفعل الثقافي الحي في تعدديته التاريخية.

خارج هذا الخيار، سيتحول المثقفون المغاربيُّون أنفسهم إلى طبول تزمر للسياسي والآني في بلدانها، كل بما لديهم فرحون، خارج الرهانات العظمى والمسؤوليات الكبرى التي تنتظرهم.

غنى المثقف المغاربي، وانفتاحه الطبيعي على الثقافات العالمية، وجهوده المعرفية وإسهاماته في الثقافة العربية والإنسانية، يفترض أن تمنعه من التحول إلى طابور خامس.. الثقافي رهان استراتيجي، بينما السياسي خاضع لتوترات الوقت ومناوراته.

المشهد الصراعي المغاربي اليوم لا يبشر بخير، وقد تقاد هذه البلدان، وفق إملاءات دولية أو حسابات مصلحية ضيقة، نحو حروب مدمرة، وتفتح أبواب جهنم باتجاه استعمارات جديدة.

كل البلدان المغاربية اليوم مريضة بأوضاعها وبحكامها.. نعم، الجزائر ليست على ما يرام، فقد عانت الأمرَّين في سياق البحث عن مسالك ديمقراطية وفاء للرعيل المغاربي الأول، وخرج الشعب التونسي من صمته وقاد أول ثورة عربية حديثة، ويعطي اليوم، درساً عربياً وعالمياً في تعميق المجتمع المدني، كما خرج المغرب من سنوات الجمر والرصاص في السبعينيات بشجاعة، من خلال حوارية كبرى مفتوحة جمعت الظالم والمظلوم.

يمكن للوعي المغاربي في أفقه العربي والإنساني أن يسهم في خلق نخب جديدة غير تلك التي خرجت من جمر التاريخ المشترك، تقع على كاهلها مسؤولية الرؤى التغييرية الجديدة.