السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

العالم اليوم.. سوق مفتوح

سادت في نهاية القرن الفائت بسبب العولمة وتجلياتها موجة من المعطيات والمفاهيم والتطورات أطلق عليها عصر النهايات أو الميتات، مثل نهاية الجغرافيا والحدود، ونهاية الكتاب، ونهاية المثقف ونهاية الدولة..الخ، وكل ذلك كان بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي حل في وسائل الاتصال والتواصل فيما عرف بثورة الاتصالات.

وكنتيجة لذلك، وبعد سنوات أصبح العالم سوقاً مفتوحاً ومتاحاً للجميع، للأفكار والتواصل والتفاعل والتعليم والتجارة والبضائع، ولغيرها، واختصرت فيه المسافات والأوقات والمداخل والإجراءات والبروتوكولات، وأضحى العالم لذلك منتدى معرفياًّ مفتوحاً، وأسواقاً تجارية متاحة، وتواصلاً إنسانياًّ مستمراً، وفضاء كونياًّ تمارس فيه كل الأنشطة.

في هذه اللحظة الزمنية ظهرت الأصوات تحذّر من ذلك، حيث بات الفرد غير محصن ضد أي اختراق أو احتواء، وأصبحت الثقافات والخصوصيات للدول والجماعات عرضة للتأثر والاختراق، وهناك من اتَّخذ موقفاً كفرد أو جماعة ضد هذا التطور المذهل الكبير في أنماط التواصل والتفاعل، وهناك من دعا إلى حماية المبادئ والثوابت والخصوصيات من هذه الموجة العالمية.


أياًّ كان الأمر، فالذي حصل هو انتقال التواصل والتعامل، وقضاء الحوائج، وممارسة الحياة من الواقع المعاش إلى الواقع الافتراضي، وما هو موجود على أرض الواقع من مناقب ومثالب سيكون موجوداً في الفضاء الإلكتروني، ومن هنا وجب أخذ الاحتياطات في سوق الفضاء المفتوح كما كانت تؤخذ في الأسواق الأرضية المعروفة، فالخطورة هنا هي هناك مع فارق السرعة، ووفرة المتاح، وعالم السريَّة، وتجاوز الحدود في العالم الرقمي.


على كلٍّ، التطور الإنساني في مجالات كثيرة مستمر ولن يتوقف، وعندما عرض فرانسيس فوكوياما نظريته نهاية التاريخ وانبرى معظم مثقفي العالم للرد عليه، قال: «لم أحفل إلاّ برد واحد قال فيه صاحبه: ينتهى التاريخ في حالة واحدة عندما ينتهي العلم»، والعلم لا ينتهي والمسيرة الإنسانية شاهد على ذلك، وعليه فلن تنتهي هذه التطورات في عالم الإنسان ولن تتوقف بل ستزداد وتتسارع، ولك أن تتصور كيف سيصبح العالم بعد 50 أو 100 عام مثلاً.

أمّا المسائل القيمية والأخلاقية والمعتقدات والخصوصيات فيفترض أن تكون ثابتة وحاضرة ومحمية وهذا هو التحدي الكبير، كيف نحافظ عليها وعلى الأفراد والمجتمعات مع التطورات العلمية والإنسانية المتسارعة الحاصلة اليوم؟