السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الإيثار

أعلى درجات السخاء وأوفى مراتب الكرم، ومعناه: أن تُفَضِّلَ غيرَك وتقدمه على نفسك في الحظوظ الدنيوية؛ رغبة في الآخرة ومرضاة لله، (وعكسه الأَثَرَة أي: الأنانية). وقد حثنا القرآن الكريم والسنة النبوية على الإيثار، وضرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في تعاملهم به في ما بينهم، ففي الحديث أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ (جائعين)، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (الحشر)، زوجان يستضيفان ضيف رسول الله وليس عندهما إلا قوت أولادهما فقط، ويؤثران الضيف على فلذات أكبادهما، بل يتظاهران بالطعام معه ليهنأ وتقر نفسه بما قُدِّمَ له، ولما كان الفعل نادراً وعظيماً كافأهما الله تعالى بقرآن يُتْلَى في حقهما إلى يوم القيامة، تأمل كيف كانت الزوجة عوناً لزوجها على الطاعة والبذل، فلم تمنعه أو تبدي اعتراضاً! بل ساعدته على غاية الكرم والإيثار، وسطر التاريخ الإسلامي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بحروف من نور، فعرضوا اقتسام بعضهم بعضاً لأموالهم وأعز ما لديهم؛ إرضاء لله وابتغاء فضله، وتحقيقاً لمعاني الإيمان الذي استقر في نفوسهم وسمت به أرواحهم وطبقته جوارحهم، فظهر على أفعالهم، وفي غزوة اليرموك نرى من يؤثر غيره عليه وهو يحتضر، ويُقَدَّمُ إليه الماء وهو مثخن في جراحه فيأبى أن يرتوي لمّا سمع صوت أخيه يطلب ماء، ويمر الماء على عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، فما شرب منهم أحد حتى ماتوا جميعاً، وقد فضَّل كل واحد منهم أخاه على نفسه، مؤثراً رضا الله ونعيم الآخرة، وآثرت السيدة عائشة رضوان الله عليها سيدنا عمر رضي الله عنه على نفسها في جوار رسول الله تعالى عند موته، أين نحن من الإيثار وتطبيقاته في حياتنا، ونبذ الأنانية؟!