الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

احترام الخصوصيات

احترام خصوصيات الإنسان من الأخلاق التي أكد عليها الإسلام في شريعته قبل أن تتحدث عنها قوانين الغرب وأحكامه، لأن شريعة الإسلام جعلت مقاصدها الحفاظ على النفس والدين والعقل والمال والعرض؛ لذا فقد كفل الإسلام للنفس حقوقها، ومن أعظم ذلك احترام خصوصيتها وعدم انتهاك سترها، فقال تعالى:«وَلَا تَجَسَّسُوا» (الحجرات)، فنهى الله تعالى عن التجسس، وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تَحاسَدوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تجسَّسُوا... وكونوا عبادَ الله إخوانًا» (مسلم). والتجسُّس هو البحث عن العورات والأخطاء والعثرات، ومن المؤلم أن تجد من يتتبع عورات أخيه ويبحث عن بواطن أموره ويتلصص عليه غير منتبه لتحذير رسولنا الكريم من عاقبة ذلك حيث قال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تتبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» الترمذي.
إنه إنذار بالفضيحة ووعيد بها ليكون جزاؤه من جنس عمله، أراد فضح أخيه فلينتظر عاقبة ذلك ولا يلومنَّ إلا نفسه. وفي أحكام القصاص في الشريعة الإسلامية رفع الشارع الحكيم الدية والقصاص عمن فقأ عين المتلصص عليه والمتتبع لعوراته، كما في الحديث:«من اطلع في بيتِ قومٍ بغير إذنهم فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه، فإن فقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص» (النسائي).
وجعل عقاب المتنصت الذي يسترق السمع صب الآنُك (أي الرصاص) في أذنيه يوم القيامة ليكون جزاء له على تلذذه بسماع ما لا يحل له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منِ استمعَ إلى حديثِ قومٍ ، وهم له كارِهونَ، صُبَّ في أذنَيْهِ الآنُكَ» رواه أحمد، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»(الترمذي). وكفى بتشريع الاستئذان في دخول البيوت دليلاً على صون الإسلام للخصوصية وحفاظه عليها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النور). ولم يغفل عن خصوصية الوالدين مع أبنائهم وخادميهم حيث راعى أوقات راحتهم وفرض الاستئذان منهم «مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ...». فلينتبه وليحذر من يصور غيره بغير إذنه، من يتدخل في شؤون غيره بدون طلبه، ومن لا يراعي خصوصيات المريض، ومن يتتبع معلومات غيره.