الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

زايد.. باني الإنسان والبيئة والعمران

هل القائد يُولَد قائدًا، أمْ أنَّ التجربة والحياة هما اللتان تجعلانه كذلك؟.. رُبَّما اختلف الناس في الجواب؛ لكن لا خلاف أنَّ الموهبة والتجربة إذَا تعَانَقَتَا صَنَعَتا قائدًا فَذًّا.. ومَن يقرأ سيرة ومسيرة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيَّب الله ثراه – يُدرك ذلك بجلاء، فهو تَعَلَّم مُنذُ صِغَره من والديه الكريمين كيف يُواجِه الحياةَ ويَتعامل مع العالَم المحيط به بصدر رحب وأفق واسع، فاتَّخَذ من الصبرِ شِيَمًا وأخلاقًا، ومن التسامُح وحُبِّ الخير منهجًا، ومِن التأمُّلِ في الطبيعة دافِعًا قَوِيًّا لحماية البيئة وتحويل الوسط الطبيعي الصعب إلى واحة خضراء جميلة.

أخذت سِماتُ القيادة تَتَجَلَّى في شخصه منذُ الصِّبا، وتعزَّزت بتلك التربية والرعاية الشاملة التي أَوْلَتْهُ بها أسرتُه الكريمة، فتَفَتَّقَت مواهبُه القِياديَّة وتَشكَّلت رُؤيتُه الثاقبة التي لم تَقْتَصِر على أُفُق ضَيِّق، بل اتَّسَعت اتِّساع الكَوْن لتشمل كافَّة الآفاق والأبعاد، فلا شيءَ يَحُدُّ الرؤية؛ ولا شيء يعوق إرادة الإنسان إذَا أراد الإبداع والابتكار، وألْهَمه ربُّه التوفيق والصوابَ..

كانت البيئةُ تُمَثِّل بُعْدًا خاصًّا من آفاق رؤيته الرحبة، فأحبَّها ومَنَحَها عنايةً فائقة، مُدرِكًا أنَّ الرِّهان الحقيقي هو هزيمة التَّصحُّر بالزراعة وغرس الغابات والأشجار وإنشاء ينابيع الماء.. ولكسب هذا الرِّهان قال كلمتَه الشهيرة:«أعطوني زراعة.. أضمن لكم حضارة» كانَ ذلك بدايةً لمسيرةِ بناءٍ طويلة لم تَنتهِ بوفاته، كمَا ذَهَبَت أحلامُ وإنجازاتُ قادةٍ كُثْرٍ بعد رحيلهم؛ بَلْ هي مُستمرَّة كما أرادها أن تكون.. نعم، لم تكن تلك البدايةُ سهلةً ولا السبيلُ مُمَهَّدةً بالورود، بلْ كانت صعبةً وشاقَّة وأحيانًا مُؤْلِـمَةً، وقد أدرك الشيخ زايد تلك الصعوبةَ إزاءَ بِنْيَة تَحتيَّة منعدمة آنذاك، لكنَّه كقائد فَذٍّ حوَّل تلك العقباتِ إلى حوافزَ لتحقيق حُلمه في بناء دولة عصرية تنعم بالخير والأمن والرَّفاهِيَة الاقتصادية، وهذا ما حقَّقه قبل وفاته، فكان من القادة النادرين الذين رَأَوْا أحلامَهم وإنجازاتِهم تَتَحقَّق في حياتهم.


رحم الله هذا القائد، فقد طوَى المراحلَ واخْتَصَر الزمنَ في بناء الإنسان والعمران والبيئة؛ ذلك المثلَّث الذي مثَّل أبعادَ رؤيته للتنمية الشاملة المستدامة، فحَقَّقت دولتُه في عقود قليلة ما عَجَزَت دولٌ أخرى كثيرة عن تحقيقِه في قرون!.