الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

التفاؤل

كثيراً ما تنال من المرء همومه وأعباؤه وديونه وتقعد به مشكلاته، ويبقى الأمل في الله تعالى معقوداً ليخفف عنا ما نحن فيه، ويعيننا على مواجهة هذه المسؤوليات، والخروج من تلك المشكلات. والتفاؤل هو الكلمة الحسنة وتوقع الخير وتأمل الفائدة، هو انشراح قلب المرء وإحسانه الظن بالله، والتفاؤل كان مما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من حسن الظن بالله وهو من الإيمان، ولنا في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الأسوة الحسنة، لم ييأس أبداً من هول ما تعرض له هو وصحابته، ولم ييأس في عام الحزن بعد فقده لعمه أبي طالب وزوجه خديجة، لم ييأس بعدما وجد العنت من الطائف، وكان هذا أشد ما لقي من قومه من صنوف العذاب والتنكيل، حتى أرسل الله تعالى له جبريل ومعه ملك الجبال ليدمر المشركين ويطبق عليهم الأخشبين (جبلين عظيمين بينهما قريش)، لم ييأس النبي صلى الله عليه وسلم منهم، بل قال: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (البخاري). وقد حقق الله تعالى رجاء نبيه، وفي كل غزوات المسلمين كانت الغلبة لعدوهم عدداً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يثق بالنصر ويتفاءل به هو وأصحابه، بل كان دوماً ما يحدثهم عما تعلو به همتهم ويقوي به عزيمتهم قائلاً لهم: «وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ» (البخاري).

كان النبي صلى الله عليه وسلم متفائلاً وهو في الغار مع صاحبه، ولو نظر أحد المشركين أسفل قدمه لرأى النبي والصديق ولقضى عليهما، ولكن لثقته بربه وحسن ظنه به قال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»(التوبة)، يقيناً بمعية الله ونصره، ولما اجتمع الأحزاب حول المدينة، والقرآن يصف المحنة بأن القلوب فيها بلغت الحناجر من شدة الهول وحتمية الهلاك بحسابات الدنيا، «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا»(الأحزاب)، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صخرة كبيرة من الخندق، وكلما كسر منها جزءاً بشّرهم ببشرى، بقوله: «أعطيت مفاتيح الشام ثم فارس ثم اليمن»، وكتب الله لهم النصر، وكما قيل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، وصدق الشاعر:

فاشدد يديك بحبل الله معتصماً


فإنه الركنُ إن خانتك أركانُ