الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أسماء لا تساوي شربة ماء!

في أمة العرب كل الكلام حق يراد به باطل، وكل الأسماء جميلة لمسميات قبيحة؛ فالحرية اسم جميل للفوضى، والثورة اسم جميل للسلب والنهب، والقتل والجهاد اسم جميل للحرابة وقطع الطرق والذبح من الشريان إلى الشريان، وحقوق الإنسان اسم جميل للخروج على القيم والدين.. واسم جميل للخطايا والشذوذ.

ألسنة وأقلام العرب مدن فاضلة وقلوب وعقول العرب مدن فاشلة، ولو عملنا عشر ما نتكلم به لأصبحت هذه الأمة جنة، لكننا نتكلم فقط.. نستغرق وقتاً طويلاً جداً في صياغة الشعار والنظرية، لكننا لا نبذل أي جهد في تطبيق الشعار والنظرية.

كثيراً ما أشعر بأن هذه المساحة الممتدة من المحيط إلى الخليج ليست سوى جهنم الأرض.. كل خصائص جهنم الآخرة فيها، فالعربي يأتيه الموت من كل جانب وما هو بميّت، ولا يموت ولا يحيا، وإنما هو في حالة وسطية كئيبة وتعيسة.


وتخاصم العرب مثل تخاصم أهل النار؛ كلما دخلت أمَّة لعنت أختها، وكلما جاء نظام لعن سلفه، وكل فريق يطلب للآخر ضعفاً من العذاب و«لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لَّا تَعْلَمُونَ»، وكل فريق يتهم الآخر بأنه سبب كل ما يحدث من مآسٍ «أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا» العرب قوم كارهون، والكراهية هي الوقود المحرك لكل الأحداث في هذه الأمة، والكراهية عندنا قوة، والحب ضعف، وإذا أراد العربي أن يثبت أنه متدين وتقي فإنه يكره الآخر المخالف ويتهمه، بينما الإيمان حب ولا يؤمن المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.


وعندما تستعرض أعداد الذين حصلوا على لقب شهيد في هذه الأمة، تشعر بأن تسعين في المئة من أهل الجنة عرب، والشهيد عندي من ذهب إلى القتال لينتصر فقُتل، وليس ذلك الذي ذهب ليموت أو الذي تمنطق بحزام ناسف فجره ومات، وليس الشهداء هؤلاء الذين يهتفون في كل مرة «شهداء بالملايين على القدس رايحين».. فالمرء يطلب النصر لا الموت، فإذا جاءه الموت فهو شهيد، أما طالب الموت والساعي إليه فليس شهيداً أبداً.

فنحن في أمة الأوصاف والألقاب والأسماء ولسنا في أمة الأفعال والحقائق، وجملة العرب أسمية لا فعلية.. جملة العرب اسمية سُمّية.. جملة العرب أسماء لا تساوي شربة ماء!.