السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الجزائر والسودان.. الحَراك والجيش

مشكلة بعض الدول العربية أنَّها لم تبنِ مؤسَّسات دستورية حقيقية تحمي الدولَ مِن خَطَر الانهيار عندما تَتَعرَّض لظروف استثنائية كالتي يعيشها اليوم بعضُ دولنا، فبَدلاً من بناء المؤسَّسات المدنية، بَنَوْا مؤسسات عسكرية وأمنية، تحمي الأشخاصَ لا الدُّولَ؛ لذلك وَجَدْنَا دولَهم تنهار بِمُجَرَّد انهيار أنظمتهم، والمثال هو: ليبيا واليمن اللتان تحْكُمُهُمَا الآن جُزْئيًّا عِصابَاتٌ أسوأُ من الأنظمة التي حَكَمَتهما عقوداً.

لكن يُلْحَظ في دول عربية أخرى أنَّ الجيوش ـ في غِيَاب المؤسسات المدنية ـ شَكَّلَت صِمَامَ أَمَان لدُوَلها، فحالت دون انهيارها في الظروف الاستثنائية، والمثال هو: تونس ومصر والجزائر والسودان.

لا أحَدَ يُؤيِّد الحُكْمَ العسكري، لكنَّ الجيش في عَدَدٍ من الدول العربية أصبح المؤسَّسةَ الوحيدة المنظَّمَة، فحلَّ مَحَلَّ المؤسسات السياسية الدستورية، وجَعَل من مَهامِّه التَّدَخُّلَ في الظروف الاستثنائية لحماية بلاده من الانهيار، كَمَا نَجد الآن في الحَرَاك الشعبي في الجزائر والسودان، بلْ أننا نجد هذينِ الحَراكَينِ في البداية يَحْتَمِيَان بالجيش ويُعَوِّلان عليه في تحقيق مطالبهما، فقد رأينا ذلك التَّلاحُمَ (الْمَشُوب بِحَذَر) بين الجيش والشعب، لكنَّ الحَراك الشعبي اتَّخَذَ طابَعاً عَفْوِيّاً؛ فكان لا بُدَّ من تَدَخُّل المؤسَّسة الوحيدة المنظَّمة القادرة على إدارة البلاد في الأزمات، وهي الجيش.


وإذِ افْتَقَرَ الحَرَاكُ الشعبي إلى الحُنكَة السياسية والقيادة المركزية؛ جَاءَت مطالبُه «طوباوية»، يصعب تنفيذُها عَمَلِيّاً بِدون مَخَاطِر، أمَّا الجيشُ فكان واقِعِيّاً في إدارة المرحلة الانتقالية حتَّى لا يسقط البَلَدان في الفَوضى، ومِن الطبيعي في هذه الحالة أن تظهر مِن حِين لآخَرَ فَجْوَةٌ أو أزمة (كما نَرَى الآنَ في السودان) بين الحَراك والجَيش؛ لأنَّ الأوَّل يُفكِّر بالتَّمَنِّي والثانِي بالواقعيَّة السياسية.


مِنْ حَقِّ الشعب أن يَحْلُمَ ويُطالِبَ بتحقيق أحلامِه؛ لكن مِنْ حَقِّ الطَّرَف الآخَر (الجيش) ـ إذَا خَلَصَت نِيَّتُه ـ أن يُحَقِّق أحلامَ الشعب بطريقة واقعيَّة.

لكنَّ شيئًا واحدًا رَاعَني، وهو تلك الروحُ الانتقامية عند شعوبنا، فيَبدو أنَّ اهْتِمَامَها بمحاسبة الماضي أقوى مِن سَعْيِها لبناء المستقبل، وهُنا يَحْضُرُني مثالان رائعان في التاريخ البشري، وهُمَا عَفْوُ الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، وعَفْوُ نيلسون مانديلا عن العنصريِّين البيض في بلاده، لذلك الْتَأَمَت الجِراحُ بسهوله، وتَفَرَّغ الناسُ للبناء في الحالتين السابقتين.