الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

هُوية العيد.. وفرحته

ما أحوجنا إلى السعادة، ما أحوجنا إلى صناعة الفرح، ولأجل هذا وُجدت الأفراح والمناسبات، فالسعادة والفرح هما غاية ما تنشده الأخلاق وغاية ما تنشده الأنفس الحية، وغاية ما نقدمه لذواتنا من كينونات.

إن الفرح والسعادة بوصفهما فعلاً متحققاً لا يتم سوى عن طريق فهم حاجات المجتمع وعلاقاته بالآخر من حوله، والتي تنطلق من فكرة العناية بالنفس وإحاطتها بالرعاية وبالتالي استحقاقها للفرح والسعادة، ولهذا فإن أيام الفرح هي تلك الأيام التي نحقق فيها فعلاً شعورياً روحانياً يشعرنا بالإمتاع واللذة التي نستحقها، ومن هنا كان الاحتفال بالأعياد والأفراح بوصفها غاية شعورية سامية مرتبطة بالمجتمع ودينه وثقافته.

وعلى الرغم من أن الاحتفال بالأعياد عُرفٌ اجتماعي يُنشئه أفراد المجتمع تحقيقاً للسعادة والفرح من ناحية وتعزيزاً للعلاقات الاجتماعية من ناحية أخرى، إلا أن هذه الأعياد لم تُترك من دون تنظيم وإنما انشغل المجتمع بصناعة تقاليد هذا الاحتفال، فابتكر أطعمة للأعياد وطقوساً وعادات جعل منها ذاكرة شعبية ذات هُوية مجتمعية متفردة.


ولعلنا نتذكر صوت مدافع إعلان العيد، أو تلك الأهازيج والشلات التي تنطلق منذ صباح العيد حتى مسائه يشترك فيها الكبار والصغار، النساء والرجال، أو تلك الطقوس المتعلقة باللباس والطعام والشراب الخاص بهذا العيد أو ذاك.. إنها عادات مجتمعية صنعها المجتمع وصاغها من أجل تحقيق السعادة والمكافأة والفرح.


إن الأعياد ترتبط بالأديان في إطارها العام، بحيث تنشأ بوصفها نسقاً عاماً يجمع المنتمين إلى هذا الدين أو ذاك في أي بقعة كانوا، ليشكلوا مجتمعاً واحداً، فهو نظام يقوم على (توحيد الأمة) ضمن الدين الواحد، وهذا النظام يرتبط بمواقيت معينة متعلقة بالمكافأة على الإنجاز والاحتفال به، كما هو الحال في الأعياد الإسلامية، إلا أن تلك الأعياد تأخذ طابعاً مجتمعياً خاصاً - كما قلنا سابقا - له أبعاد معرفية مهمة على المستوى الثقافي؛ ذلك لأن هذه المعارف وتلك الطقوس والعادات التي يؤسسها المجتمع في تراكمها تكون ثقافته المميزة، وبالتالي تتشكل ضمن حضارته على مر العصور.

إن الأعياد ليست تقليداً قومياً وحسب، إنها ثقافة وهُوية لها أبعادها ونسقها المحدد، الذي يجعلنا ضمن هذا التشكل القومي الضخم ذي الخصوصية، ولهذا فإن عاداتنا وتقاليدنا هي المسؤولة عن هذه الهوية والخصوصية، ولا يمكن لأي مدنيَّة أو تحضُّر كان أن يمنحنا الاستمتاع والفرح والسعادة التي ننشدها، ما لم يكن العيد فرصة لاستعادة تلك الطقوس والعادات التي ننتظرها بشغف.