السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

عندما لا يأتي العيد!

لو قام أبو الطيب المتنبي فينا حيّاً الآن لصرخ متوجّعاً متهالك الرّوح والبدن: «لماذا لم يأتِ العيد؟»، ولخاب أمله مرّة تلو الأخرى وهو يرقب الحزن والوجع في وجوه المسلمين، وهم يعيشون زمن عيد، من دون أن يضفي عليهم، أو يهبط على أرواحهم بالفرح، أو يطرق وجوههم وقسماتهم وأساريرهم، وهم يرددون قول المتنبي الذي أنشده منذ قرون طويلة موجوعاً مفزعاً:

عيــدٌ بأيّةِ حـالٍ عُدتَ يا عيــدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُــمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ


الأمّة الإسلاميّة الممتدّة عبر أصقاع المعمورة تخايل نفسها هذه الأيّام بوهم العيد وأفراحه، وتعلّق الزّينات زاعمة أنّ عيداً ما قد زار ديارها، وحلّ في بيوتها وعرصاتها ودروبها، وتحاول أن تتجاهل ذلك الحزن الممتدّ من العظم إلى العظم، ومن أوّل الجغرافيا إلى أقصاها، حيث يقبع الحزن الإسلاميّ متمثّلاً في ذاكرة عملاقة من الوجع، حيث التّناحر والفرقة والأنانية والإقصاء والضّعف والخصام وقتل المسلم لأخيه، وخذل المسلم لبنيه، وتخلّي المسلم عن أهله وقومه وأمّته.


لقد هرب العيد من النفوس، واقتصر على الملابس الجديدة والحلوى والسكاكر والاحتفالات، وغادر مع الحزن الإسلامي الممتد في أعماق الوجود الحاضر، حيث الأمة الإسلامية أمة عملاقة العدد عامرة الوجود، بالغة الثّروة، عريضة الإيغال في الجغرافيا، ولكنّها في الوقت ذاته تعيش على هامش الأمم، وفي ذيل التّقدير العالمي، وفي آخر قائمة توفير الرّفاهيّة والاحترام والعدالة والرّحمة لمواطنيها، كأنها «غثاء كغثاء السيل».

العيد في الإسلام يعني العزّة والمنعة والقوة والاحتفال بإكمال شعائر العبادة والصّلاح وعمارة الأرض واستحضار مكنونات الوجود والرّقي، وعندما تغيب هذه المعاني والمفردات، يغيب العيد عن قلوب المسلمين وعن عُرف أمّتهم، فنبحث عنه في الدّروب والصّدور، فلا نجده، وندركه في المعاني الشّكليّة، فلا نقدر عليه، ونطير خلفه في الجغرافيا والزّمان، فيعزّ أن نحظى به.

أيقونة العيد في قلوب المسلمين في الوقت الحاضر تنزف دماً، وأنشودتها تتلو أوجاع الفرقة والعذاب، ولا يُذكر عيد المسلمين إلاّ ويُذكر معه الفتك بالإسلام والمسلمين في أصقاع الدّنيا، وتضييق الخناق عليهم، والمذابح الوحشيّة ضدّهم، لتتناوشهم الدّروب بالضّياع والجوع والحرمان والغربة والظّلم، في حين ديار المسلمين تتّسع لطيور الدّنيا جميعها، وتضيق على أهلها.

أيّها العيد، متى تعود إلى ديارنا؟ وتمسح دموع مآقينا، وتحمل لنا بعض العزّة والمنعة والوحدة والقوّة والسعادة الحقيقية؟ بعد أن طال غيابك وغيابها جميعاً عن مواسم أزماننا؟