الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المعتقد الشعبي.. و«صدقة البحر في عُمان»

المعتقد الشعبي.. و«صدقة البحر في عُمان»
إن التراث بوصفه مادة إنسانية يمثل ثقافة المجتمعات، فهو كل الممارسات الشعبية والعادات والمعتقدات التي ترسخ فكر تلك المجتمعات وطريقة عيشها، لذا فإن المعتقد الشعبي بما يحتويه من خيالات وإبداعات ذات أهمية ثقافية على المستوى الحضاري، وتغييبه هدر لرأس مال إنساني وطاقة تفتقر إليها كثير من الثقافات؛ فبما أن المعتقد خيال يقوم بناؤه على الواقع الثقافي والاجتماعي، الذي يعيشه الفرد في مجموعته، فإنه ميدانياً يتمظهر في أشكال الأسطورة والخرافة والميتافزيقيا التي تتناقل شفوياً وتتم وراثتها عبر الأجيال السابقة في امتداداتها الثقافية والحضارية، فهي بالنسبة للمجتمع خيوط الأحلام الممتدة إلى المستقبل، والسلوك الذي تَقدم عليه الجماعة ليُنتج ضمن نسيج من الواقع الثقافي المدرك، وهو ما يعكس بالنسبة للمتلقي الخطاب الذي يقدمه «المعتقد».
وعليه فإن نص «المعتقد» يمثل في تصورنا وعي النص المنتج للذة التحقق، وهو تحقق لن يحدث إلاَّ ضمن سياق التصديق والاطمئنان، وهذا يكون في سياق التآلف مع الطبيعة ببعديها الواقعي والغرائبي العجائبي المتمثل في الميتافزيقيا؛ فالعلاقة بين الأشجار والآبار والعيون والمساجد بل والشمس والقمر كلها تندرج ضمن هذا التصور، لتشكل المعرفة التي تؤلف الانسجام بين الإنسان وما حوله من عوالم الطبيعة، ولذلك سنجد أن «المعتقد» بوصفه حكي وسلوك يهتم بتنفيذ الطقس أكثر من اهتمامه بتأويله أو محاولة تفسيره أو تبريره، وهو في هذا يدخل من حيث التصنيف مدخلاً قدسياً من وجهة نظر معتقديه؛ وهذا ما يفسر عجزهم عن مخالفته، فهو بالنسبة لهم طقس له احترامه وتقديره، لأنه يقدم طريقاً للوصول إلى تلك العلاقة الراسخة بين الإنسان والفضاء الطبيعي من حوله.
ولهذا فإن مجتمعاتنا في دول الخليج العربي عرفت منذ القدم الكثير من المعتقدات، التي ترسخت من خلال مجموعة من الممارسات كما هي الحال في زيارة مساجد الأولياء الصالحين وقبورهم، والاستشفاء في بعض العيون والأفلاج للاعتقاد أنها مباركة، أو حتى تلك الصدقات التي تُقدم للطبيعة، كما هو الحال في «صدقة البحر» المعروفة لدى سكان السواحل في عُمان، فهي صدقة سنوية كانت تُنظم أهلياً في بداية مواسم صيد الأسماك، حيث يطبخون جزءاً من الذبائح ليأكل منه الناس جميعاً، بينما هناك أجزاء معلومة من تلك الذبائح يسبح بها الغواصون في أعماق البحر في أماكن محددة ليتركوها بين صخور الأعماق ورؤوس جبال البحر، عائدين بآمال وفرة خيرات البحر واتقاء غضبه وهيجانه.. إنها معتقدات تكشف عن تلك العلاقة الراسخة بين الإنسان والطبيعة من حوله.