السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

القوى اللادينية.. والصراع الدولي

القوى اللادينية.. والصراع الدولي
لا يمكن، كما هو معلوم فصل الخلفيات الدينية والفكرية والثقافية عن الصراعات الإنسانية، ففي النهاية تحاول كل قوة دولية أن تنشر فكرها وأيديولوجيتها وثقافتها ومنهجها ورؤيتها للحياة وللعالم.. ألم تعمل أمريكا مثلاً على نشر الفكر الرأسمالي الليبرالي في العالم؟.. ألم تقم بمحاولات كثيرة لأمركته بما فيها أوروبا نفسها؟ ثم ألم يقم الاتحاد السوفيتي بنشر الفكر الاشتراكي كذلك؟.. ألم تمارس الدولة الرومانية وأوروبا بعض حروبهما باسم الدين المسيحي.. وهكذا.

اليوم هناك صراع سياسي ديني واضح في العالم، وفي منطقتنا تحديداً: أمريكا الرأسمالية المتزعمة للمسيحية الغربية بما فيها أوروبا وإسرائيل اليهودية الصهيونية، مع الإسلام بقوته الحضارية والفكرية، والذي يفتقد بعكس العقيدتين السابقتين إلى قوة سياسية دولية معتبرة تقوده رغم محاولة عدد من دوله ذلك.

المعطى الجديد في الأمر هو دخول قوة لا دينية في الصراع اليوم وهي الصين، وهي كما هو معروف دولة شرقية اشتراكية لا دينية تحارب الدين والتدين صراحة، ولا أدل على ذلك مما تفعله اليوم بمسلميها الإيغور من محاولات قمعهم وطمس هويتهم الدينية وتحوليهم عنها بالقوة، وهي رسالة تود الصين أن تبعث بها إلى العالم مفادها بأنّها دولة أيديولوجيا لا دينية لا تؤمن بالأديان وخاصة الدين الإسلامي، وهذا أمر محسوم عندها.


الصين اليوم تقّدم نفسها للعالم من بوابة الاقتصاد والتعاون والقوة الناعمة كما تقول، من دون الخوض في قضايا سياسية وأيديولوجية وعسكرية، ومن دون تدخلات في شؤون الدول وصراعاتها، ولا يمكن تصديق أنّ الصين ستكتفي فقط بالموضوع الاقتصادي، الذي هو مدخل ذكي تتبعه اليوم، لسبب بسيط أنّ القضايا كلها متداخلة، ولا يمكن فصلها عن بعضها ولكل تعاون ثمن لا بد من دفعه، هي فقط تؤجل مناقشة ذلك مستقبلاً.


ولو حاولنا التدقيق في الأمر لوجدنا ما يلي: هناك صراع ديني وفكري وسياسي عميق بين القوتين الدينيتين والإسلام كما أسلفنا، وصراع ديني لا ديني متوقع ربما مع الصين الاشتراكية اللادينية وخاصة مع الإسلام.

فإن كانت بضاعة الصين فيما بعد هي نشر الفكر اللاديني ومحاربة الدين والتدين فسيكون ذلك أحد مقاتلها كما كان أحد مقاتل الاتحاد السوفيتي سابقاً، وكأنّ الإمبراطوريات والقوى الكبرى لا تتعلم ولا تتعظ بالتاريخ ولا بغيرها.