الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لنحترم تفكير الناس

في أحد المعارض الفنية التي أقيمت قبل بضعة أشهر، كنا نجول بين اللوحات المعروضة، ترافقني إحدى الصديقات، وعندما توقفنا أمام إحدى اللوحات سألتها هل عرفت ما المقصود من هذه؟ بعد صمت للحظات وهي تنظر إلى تلك اللوحة عادت ونظرت نحوي قائلة: في الحقيقة لا.. العجيب أن إحدى المرشدات في المعرض والتي تقوم بالرد على تساؤلات الزائرين حول أسعار البعض من تلك اللوحات، هي أيضاً لم تكن تعرف ما هو محتوى تلك اللوحة ولا المغزى منها، لكنها أبلغتني بأن قيمتها خمسة وعشرون ألف درهم، وقد كانت هذه المعلومة الوحيدة التي تعرفها، مثل هذه الحالة تكررت قبل فترة من الزمن عندما عرضت إحدى الكاتبات عليّ نصاً أدبياً، وعندما أنهيت القراءة سألتها: أين تكملة النص؟ أجابتني: هذا فقط .. عندها أبلغتها بأن النص مبتور أو كأنه قد تم القص منه والحذف، هو مبهم وغير مفهوم بهذه الوضعية .. فقالت: لا هذا غير صحيح لقد تركت الفرصة لخيال القارئ ليكمل. هناك سيل من مثل هذه الحالات في مجالات الأدب والفن، حيث تقرأ نصاً لا تفهم منه شيئاً أو تقف أمام لوحة لا تعرف دلالاتها ولا رسالتها ولا هدفها، والجميع لديهم مبرراتهم، مثل أن هذا الغموض مهارة وأنه من متطلبات الإبداع، وأن على القارئ أو على متذوق الفن التشكيلي البحث عن المعنى، ولا أجد أصدق ما ينطبق على مثل هذه الحالة من كلمات للروائي الروسي العالمي الشهير ليو تولستوي، والذي يعد، فضلاً عن كونه واحداً من عمالقة الراوية في العالم، مصلحاً اجتماعياً وداعية سلام ومفكراً أخلاقياً، حيث قال «أن نقول هناك عمل فني جيد لكن لا يفهمه عامة الناس، كأننا نقول إن هناك أكلاً جيداً جداً لكن معظم الناس لا يستطيعون أكله». أدرك أن هناك حالات إبداعية يتلبسها الغموض بل إن الغموض وتشويق القارئ مهارة، لكن ليس كل من كتب وألف يملك المهارة والإبداع لتوظيف هذا الجانب، وفي مجال الفن التشكيلي يمكنك القياس .. نعم للإبداع والتجديد والتحديث، لكن مع احترام عقل وتفكير المتلقي.