الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

دور الضحيَّة.. ظاهرة عربيَّة غير صحيَّة!!

دور الضحيَّة.. ظاهرة عربيَّة غير صحيَّة!!

محمد أبو كريشة

كان نعيم بن مسعود رضي الله عنه أول رجل استخبارات في الإسلام، فقد كان يكتم إسلامه، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يوقع الفتنة بين المشركين واليهود في وقعة الأحزاب، فأذن له الرسول وقال: افعل يا نعيم فالحرب خدعة، ولست أدري لماذا يرى العرب أن المؤامرة والتآمر والدس وإيقاع الفتنة أمر مكروه، ويتهمون العالم كله بأنه يتآمر عليهم ويسرفون على أنفسهم في التفسير التآمري لكل خيباتهم.

وقد ورد التآمر في القرآن الكريم بصيغ متعددة وبألفاظ كثيرة، مثل: المكر الذي هو مكر سيئ ومكر خير، والكيد في قوله تعالى «وكذلك كدنا ليوسف»، أي خططنا له، والاستدراج «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون».

لا بأس أبداً من المكر والكيد والتآمر والاستدراج من أجل الحق والوطن، والعالم كله في حالة حرب لا ينطفئ أوارها، والحرب خدعة.. ولا بد أن تكون الأمة بين اثنتين: خادعة أو مخدوعة، فاعلة أو مفعولاً بها.. ومن لم يتأذّب تأكله الذئاب.


والعرب يتحدثون دوماً عن أنهم مفعول بهم في نظرية المؤامرة.. ويرون أنها قضاء وقدر لا راد لهما، وهي محاولة عربية لإبراء الذمة من الفشل والخيبات.. وهي أيضاً دعاية مجانية غبية لأي عدو مثل إسرائيل وإيران وغيرهما، وحينما تقرأ المبالغات العربية في تصوير المؤامرة الصهيونية، وذلك الكتاب الدعائي الوهمي المسمى «بروتوكولات حكماء صهيون» ينتابك ما يشبه اليقين بأن الصهيونية إله على كل شيء قدير ولا سبيل إلى مقاومة تخطيطه ومؤامراته.


نحن نبالغ في تقدير قوة عدونا ونبالغ في تصوير وإظهار ضعفنا، وننسى دوماً أن نجاح المؤامرة مردُّه إلى ضعف المفعول به لا إلى قوة الفاعل، وبدلاً من أن يلعن العرب المؤامرة عليهم، من حقهم أن يتآمروا هم أيضاً، فذلك أمر مشروع دينياً ودنيوياً.

ونظرية المؤامرة طغت على كل شيء في السلوك الفردي العربي، فالعلاقات بين الأفراد قائمة على التفسير التآمري وما يسمونه الأسافين.. وأيّ ملحوظة على أي شخص في العمل أو في الشارع تؤدي إلى اتهامك فوراً بأنك تحاربه أو تتآمر عليه أو ترغب في إزاحته.

وهناك أدوات عربية كثيرة لنظرية المؤامرة مثل الحسد وكلام الناس.. وكل خائب وفاشل في هذه الأمة محسود أو ضحية لكلام الناس، وكل الناس يخشون كلام الناس، فمن هؤلاء الناس الذين يتكلمون.. إنه دور الضحية الذي أدمنه العرب، ودور الضحية ظاهرة غير صحية!!