الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ظل النخلة.. وتشكُّل النص الثقافي

ظل النخلة.. وتشكُّل النص الثقافي

د. عائشة الدرمكي

يشدد «إدوارد تي هول» على «موارد الإعاشة» بوصفها أحد أنظمة التراسل الأولية التي تقوم عليها الثقافة، فعندما نريد معرفة أي شيء عن مجتمع ما، فإننا لا بد أن نتعرف إلى نظامه ومتطلباته الغذائية.. ماذا يأكل؟، وكيف ومن أين يحصل على طعامه؟«، ولذلك فإن الإنسان عبر حقب متعددة، انشغل في إبداع وابتكار وتدبر موارده الغذائية، وتطويرها بما يتناسب مع تطور أنظمة حياته ووسائل تراسله وتواصله مع الآخر.

إن موارد الإعاشة، تشمل تلك الموارد البدائية من عادات الطعام الفردية والمجتمعية كلها إلى اقتصاد الدولة، الذي بدوره يفرض أنظمة من العادات، التي تعتمد على موارد طبيعية وتجارية وصناعية.

إن أنظمة موارد الإعاشة، هي إحدى ركائز الثقافة التي يُعتمد عليها، حينما يُراد دراسة مجتمع ما دراسة ثقافية، ولقد اعتمدت مؤشرات تطور ثقافة الإنسان وتناميها على تلك الدراسات التي أُجريت على موارد غذاء المجتمعات، وهو ما يجب ألا نغفله دوماً.


لذا فإن تطويرنا لموارد الإعاشة في بلداننا، لا يمنحنا كل الحق في إغفال ما يميز ويرتبط بثقافتنا منها، فما يجعل هذه الموارد ذات خصوصية ثقافية، هو تلك العادات والتقاليد المرتبطة بها.. إنه نظام اجتماعي ثقافي له سماته المميزة، فعندما نتحدث عن الزراعة مثلاً في منطقة الخليج العربي فإننا نعني «النخلة»! إنها المورد الأصيل لطعام الناس في مجتمعاتنا، ولأنها كانت كذلك فهي مرتبطة بعادات وتقاليد راسخة في ثقافتنا، فلا يمكن أن نغفل عن عادة «القيظ» أو «المقيظ» في الصيف الحار، حيث ترتحل الأسر من السواحل إلى المناطق الخضراء، يقضون صيفهم في بيوت صغيرة في مزارعهم أو يستأجرون مزارع يسكنوها حتى انقضاء فصل الصيف، فهم يمنحون وقتهم وجهدهم للنخيل، التي يعتبرونها جزءاً أصيلاً من حياتهم، وفي هذا، لهم عادات وأهازيج وطقوس يومية، بدءاً من سقيها، وتلقيحها، ثم «تحديرها»، ثم الحصاد اليومي للرطب، وحتى «الرقاط» الذي يقوم به الصغار، ثم «الجداد» وهو جني الثمار، وانتهاء بتخفيف وفرز الثمار وتعبئتها.


إن الحصاد السنوي للنخيل، يمثل واحدة من أهم الطقوس السنوية التي تجتمع عليها الأسر وجيرانهم، يقدمون المساعدة والعون لبعضهم البعض.. إنها تظاهرة اجتماعية تشكل نصاً فنياً ثقافياً له أبعاده الحضارية، التي تحمل مجموعة من التظاهرات الثقافية الأدبية والفنية والاجتماعية المميزة.

إن النخلة اليوم، في ظل هذا التغير في الموارد الإعاشية تنادي أبناء إخوتها، وتذكرهم بماضٍ قريب وبعيد، يوم كانت هي الركيزة الأساسية التي يعيشون عليها ويحجون إليها.