الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الانتخابات الموريتانية.. والميزان المزدوج

الانتخابات الموريتانية.. والميزان المزدوج

محمد محمد علي

لا يُعْجِبُني الميزانُ المزدوِج الذي يَستعمله بعضُ السياسيِّين الموريتانيين للحُكْم على الانتخابات، فهي مقبولة فقط عندما تكون في مصلحته، وإلا فهي مُزَوَّرةٌ ويجب إلغاؤها وإعادتها! وهذا ما يَنطبِق على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فمَا إنْ أَظْهَرَتْ نتائجُها فوزَ أحدِ المترشحين حتَّى وصَفَها أغلبُ منافسيه بأنَّها «مُزوَّرة»، ثُمَّ قدَّموا طعونَهم إلى المجلس الدستوري، وهذا حَقٌّ طبيعيٌّ، ولكن ما إنْ أَصْدَر المجلسُ أيْضًا قرارَه برفض تلك الطعون لعدم كفاية الأدلة حتَّى جَدَّدوا رَفْضَهم لهذه النتائج، مُصِرِّين على أنَّها «مُزَوَّرة» وواصفين قرارَ المجلس بأنَّه «مُخيِّب للآمال»!.. بلْ لَـمَّحوا أوْ صرَّحوا بإمكانِ الطَّعن لدى جِهة دولية (!!)، ولا أنصحهم بذلك، إذْ لا يُوجَد قضاءٌ دولي ينظر في الشؤون الدستورية للدول المستقلة.

إنَّ رَفضَ جُلِّ المترشحين للنتائج النهائية للانتخابات، بعد قرار المجلس الدستوري، يُدُل على أنَّ بعضَ سياسِيِّينا لا يزال ينظر إلى المعارضة كعقيدة أو كمصلحة شخصية، لا وسيلة سياسية للمشاركة في إدارة الحكم ورقابته، كما هو مُقَرَّر في الديمقراطيات الحديثة.

نَعَم ثَمَّةَ عيوبٌ شابت عملياتِ الاقتراع الأخيرة، بغير شك، لكنَّها – فيما يبدو – غير مؤثِّرة في نتائجها، أمَّا أن نَطْعَن في استقلال اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بعد أن قَدَّمْنَا إليها مِلَفَّات الترشُّح وتعاملنا معها كجهة رسمية مُشْرِفة على الانتخابات، فذلك تَصَرُّفٌ غير حكيم، فإذَا كُنَّا غير راضين عنها، فلماذا تَعامَلْنا معها؟، وإذَا كُنَّا لا نرضى بالمجلس الدستوري حَكَمًا.. فلماذا قَدَّمْنا إليه الطُّعون؟


إنَّ الديمقراطية، خلافَ ما يَظُنُّه بعضُنا، هي أحوجُ الأنظمة السياسية إلى النِّظام؛ لأنَّها تَتَعَلَّق بحماية الحُرِّيات، لا سِيَّما حرية الاقتراع، ولا يمكن أن تُتْرَكَ سُدًى أو هَمْلًا، إذْ لا بُدَّ لها من دستور يكون المرجِعَ الأوَّلَ والأخير، وإلَّا استحالت إلى فوضى. ودستورُنا الحالي يَنُص على أنَّ المجلسَ الدستوري هو الجهةُ القضائية الوحيدة التي لَهَا الكلمةُ الْفَصْلُ والقَوْلُ الخِتَامُ في النزاعات الانتخابية.


وإذًا؛ فعلينا أن نَنصاعَ لقرار المجلس، ونسعى لإصلاح الخَلَل في المستقبَل مِن طريق الحوار السياسي الشامل، فلكلِّ بدايةٍ عثراتٌ ونواقصُ لا تظهر إلا بالتجربة والمِراس، ومَا لَم نُدْرِكْ أنَّه في عالَم الانتخابات لا بُدَّ من غالِب ومغلوب، وأنَّ الجميعَ في نهاية المطاف مُنتَصِرٌ، فإنَّ العملية الديمقراطية في بلادنا سَتَظَلُّ عَبَثِيَّةً.