الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الصُّورة.. وتهديد الوجود

الصُّورة.. وتهديد الوجود

خالد بن ققه

قالت لي متسائلة بعتاب ولوم شديدين، كانا أقرب إلى الغضب: لماذا تُصرُّون على نشر صورتي مع المقال؟.. إجابتي بما حملته من مشاعر ودٍّ ظاهرة، لم تكن مقنعة لها، فقد قلت لها، قاطعاً الشك لجهة الاجتهاد بيقين مؤسسي فرضته سياسة تحريرية، يعتقد أصحابها جازمين أنهم على حق: صورتك مطلوبة وإلا يَتَعذَّر نشر مقالك.

وانتهى النقاش بعد أيام إلى اعتماد صورتها مع المقال، واختفت مبررات الرفض بالقول: إن ذلك خارج تقاليدنا، أو الذهاب إلى أبعد من ذلك، عند إصدارها لحكم قطعي على أن هذا يمثل تآمراً مقصوداً على المرأة العربية لتصبح جزءاً من مدنية عصرية.

عُدْتُ لنفسي أجمع شتات ذاكرة أَعْيتْها السنوات بنقاشات لم تكن مُجْديةً في الغالب، واسترجعت ما دار من نقاش ـ لدرجة الجدل ـ بيني وبين الكاتبة، واستنجدت بقناعة لدي طبقتها لعقود ثلاثة، تأتي بشكل استفهام يتعلق بالمعنى الوجودي، انطلاقاً من الاعتراف بالآخر، بخلفية إيمانية تتعايش ـ على مضض وبحب ـ مع الفلسفة الوجودية، تؤكد على أهمية وجود الآخر في حياتنا، كما في مقولة الفيسلوف الفرنسي جون بول سارتر: «الآخر جحيم، ولكن من خلال الآخر أرى نفسي»، وحدثتني نفسي بسؤال هو أقرب للنجوى: لِمَ لا تكون تلك الكاتبة التي رفضت نشر صورتها على حق، ونحن جميعاً على باطل؟


مآلات النقاش بانتهائها إلى السؤال المذكور أعلاه، قد يرى فيها كثيرون عواصف شكٍّ تعمل على اقتلاع يقين الموقف، أو على الأقل طرح الشك في تبعيّات حب لقرب الآخر من الذات، كما في قول الأمير الشاعر عبد الله الفيصل في مطلع قصيدته المشهورة «ثورة الشك» التي غنتها أم كلثوم منذ سبعة وخمسين سنة:


أشكُّ في نفسي لأنِّي أكاد أشكُّ فيك وأنت مني

لكن الحقيقة غير ذلك، ففي ظل اتساع الهوة بين الاهتمام بالذات كونها فضاء جسمانياً مادياً، وعقل قادر على الإبداع حيناً، والشطط أحياناً كثيرة، أو الفلسفة في بعض الأحيان، وروح تحلق ـ اليوم وغداً ـ في ملكوت، تتألف قرباً وتختلف بعداً حسب تقسيماتها على البشر، منبعاً ومصباً، في ظل كل هذا يصبح الرافض لظهور لصورته، أو الرافضة لصورتها، كاختيار شخصي وليس كقناعة أيديولوجية يريد تعميمها على الجميع بالقوة، عاملاً على إثبات الوجود في ظل السقوط المدوي لقيمة الصورة، عجزت أمامه النرجسية ـ عشق الذات ـ وملكية الجسد، والتمتع به من حيث هو نعمة وجاذبية، ومدخلاً لعمق العواطف، وتطبيقات الحب، واستمرار الجنس البشري.