الثلاثاء - 08 أكتوبر 2024
الثلاثاء - 08 أكتوبر 2024

الفجوات الاجتماعية.. وأزمة الدولة التقليدية

أكاد أجزم أن تحولات الشارع العربي أصبحت تنطق بلغة لم تدركها دوله بعد.. إنها ليست لغة التحدي كما يزعم البعض، ولا لغة الحلول التي تقترن برغبة السطو على النظام السياسي نفسه، وإنما هي لغة القطيعة مع المعنى التاريخي للحكم، الذي جعل من الإنسان العربي مُلحقة بشرية سلبية فاقدة للكرامة وشرط الوجود الإنساني.

يُستخلص من مختلف الشعارات التي تُرفع في الشارع العربي، أن هناك قاسماً دلالياًّ مشتركاً يربط صيغها ومعانيها، وهو قاسم التهميش الاجتماعي والتحقير المباشر.

إن مُضمَر هذه الشعارات، هو الرغبة في تأسيس مرحلة إنسانية لها دلالتها الآدمية، تنأى عن الانجذاب لحتميات القدر كما صاغته ثقافته التقليدية.


إن اختياره للغة اختراق طابوهات سلطة الدولة وقهرها، هو اختيار ينسجم مع دورة التاريخ وانسيابه في أفق صياغة هوية جديدة، تطالب بالعدالة الاجتماعية والمجالية وحقوق الإنسان.


لقد لاحظ بعض علماء الاجتماع والأنثربولوجيا، أن الإنسان العربي لم يعد ينظر إلى هذه الدورة التاريخية بمنطق تقليدي يعزله عما يجري في العالم، ذلك لأن شبكات التواصل الاجتماعي عجلت بإيجاد وعي جمعي مرتبط بمستوى العيش الذي ينبغي أن يكون عليه، مقارنة مع نظيره في العالم الآخر الذي بلغ مرحلة «الرفاه».

إن إدراكه للفجوات الاجتماعية والسياسية واحتماءه بتكنولوجية التواصل جعل «جرحه التاريخي» يطمح إلى «خلق التوازن» بين الألم بلغة المحلل النفسي «جاك لاكان»، وبين لذة العدالة ومصالحة الذات لنفسها، ويتحقق هذا التوازن بحدوث استبدال دونية موقعه الاجتماعي والرمزي، بالسيادة المفقودة التي حرمته منها سطوة الدولة وألغت حقه في العيش الكريم.

وعليه، سنصبح أمام معادلة صعبة في العلاقة ما بين الدولة والمجتمع، إذ سيتحول الأفراد من مُلحقين بالإرادة السياسية للدولة إلى فواعل من أجل التغيير حسب ماكس فيبر.

هذا يعني أننا أصبحنا أمام إشكالية معقدة، تتعلق بعجز الدولة عن مسايرة التطورات وفشلها في استيعاب إشكالية العالم وهو في طور إعادة التشكل، مما يعني أننا أمام بداهة استنفاد الدولة التقليدية لوظائفها، وأمام الحاجة إلى دولة جديدة، أو كما عبر عنها «راولز» أمام الحاجة إلى «ما بعد الدولة»، التي تحل بديلاً عن كيان يوجد على هامش التغيرات التاريخية والمعرفية وبدون استيعاب لديناميات مجتمعها.

تؤكد لغة شعارات الشارع العربي، أن المجتمعات تهفو وتصبو إلى شكل جديد للدولة، يقوم على بناء ديمقراطية تشاركية، وهذا ما أبرزه مؤتمر الاتحاد الأوربي في بروكسل، بتأكيده على أن ممارسة الدولة لمهامها في نطاق تقليدي، جعلها قاصرة عن مواكبة التطلعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد في المدن والأمصار البعيدة عن المركز.

ذلك، هو حال الدول العربية التي لم تستطع أن تؤسس لنموذج تدبيري محلي وجهوي، يجعل الفرد معنياً بتدبير شؤونه المحلية، وطرفاً محورياً مع باقي الشركاء الاجتماعيين والسياسيين داخل محيطه.