الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الشيفرات الاجتماعية.. وسنن القهوة العربية

يقوم المجتمع على مجموعة من العلاقات الإنسانية التي تؤسس تلك الروابط التي تمثله بوصفه هوية جمعية، ولذلك فإن الممارسات الاجتماعية التي يؤسسها، تمثل ثقافته الدالة التي تضطلع بتمييز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، بمجموعة من العادات والتقاليد والطقوس.

إن الأبعاد الثقافية المتنوعة مثل: أساليب الطبخ، وآداب الطعام، والجلوس، واستقبال الضيوف، وآداب التعامل، وطقوس الاحتفالات والأعياد، كلها تؤسس لخطاب ثقافي له أبعاد معرفية تعكس مدى عمق وحضارة ذلك المجتمع، ومدى قدرته على تحديد الفارق بينه وبين المجتمعات الأخرى، وهو ما يسميه (بازل بيرنشتاين) بـ (الشيفرات المتقنة)؛ وهي تلك التي تجعل من مجتمع ما متميزاً.

فتنوع أسلوب العيش وما يصاحبه من ممارسات اجتماعية يرتبط بـ (النظام الحسي) – بتعبير دانيال تشاندلر- والمتمثل في السياقات الثقافية التي تُستخدم في المجتمع، ومحيطه الثقافي، والتي تؤسس لمجموعة من القيم التي لا يمكن للفرد اجتيازها لأنها (نظام)؛ وبهذا سنجد أن نظاماً مثل (القهوة) في المجتمع العربي عامة والخليجي بشكل خاص، يقوم على ممارسات وسنن لا يمكن تجاوزها، فلا يمكن مثلاً تجاوز ترتيب (صب) القهوة في مجالس الرجال في عُمان؛ والتي تبدأ بالضيفِ ثم المضيفِ، الذي يجلس على يمينه وبعدها تستمر بالتتابع دون تجاوز أي من الجالسين أو تقديم أحدهم على الآخر، ثم لا يمكن (صب) أكثر أو أقل من ربع (الفنجان)، ولا يجوز أن ينتهي الضيف من رشف القهوة قبل أن يجد (المقهوي) أمامه مباشرة يناوله إياه؛ فإذا هزه يمنة ويسرة زاده آخر، وإلا تناول منه الفنجان وسأله (أزيدك؟) ليرد عليه: (الله يزيدك خير)، هكذا أيضاً على المضيف التأكد من أن الفناجين جميعها صحيحة ليس بينها واحد فيه خدش ولو بسيط جداً، لأن ذلك سيشعر الضيف بالإهانة والانتقاص.


إن سنن (فنجان القهوة) تمثل نظاماً اجتماعياً متوارثاً، يُعلمه الآباء لأبنائهم، ويتباهى الآباء بأولئك الأبناء البارعين في المجالس، وهذه السنن لها أوقاتها وطقوسها الخاصة أيضاً، والتي تختلف في المحافظات؛ ففي بعض المحافظات تُقدَم القهوة للضيف حال وصوله وبعدها يأتي الطعام، وما إن يرتاح حتى تبدأ (مناشدته)؛ أي سؤاله عن أحواله وظروفه وحاجته، بينما في محافظات أخرى فإن القهوة لا تقدم للضيف إلا بعد (مناشدته) وقضاء حاجته التي أتى من أجلها.


وهكذا سنجد أن هذه السنن تمثل ثقافة يُمنع خرقها، أو إغفالها لأن ذلك يعني إهانة الضيف والإساءة إليه، مما سيؤثر في بناء العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمعات.