الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أن تكون شخصية مؤثرة

أن تكون شخصية مؤثرة

د. انتصار البناء

في إحدى اللقاءات المتلفزة سأل المذيع إحدى (الفاشنستات) المغمورات: كيف تروجين للشيشة وتظهرين معها على برنامج (إنستغرام) وأنت شخصية مؤثرة؟!!

أجابت: «أحب الشيشة ومؤمنة بما فعلته»، لكنها قررت عدم الظهور مع الشيشة حين اكتشفت أن أحد متابعيها طفل في عمر السادسة عشرة.

وعبر حسابه في سناب شات عبر أحد الأطباء عن استنكاره لإحدى الفاشنستات التي روجت لحبوب (تخسيس) غير مرخصة، وبين أن الخطورة تكمن في أن الفاشنست من الشخصيات المؤثرة!!، وفي أغلب الانتقادات التي توجه للكثير من (المدونين) يتم وصفهم بأنهم شخصيات مؤثرة!.. فكيف اكتسبوا هذا اللقب؟، وما جوانب تأثيرهم؟


في محركات البحث لن تجد تعريفاً مشخصناً للشخص المؤثر.. إنما تجد تعريفات للشخصية كيف تكون مؤثرة وعلامات تأثيرها وكيف تكتسب القدرة على التأثير.. فمن أين دخل مصطلح الشخص المؤثر على ثقافتنا؟، وما الأساليب التي يصبح بها أحد ما شخصاً مؤثراً؟


في السابق كان المؤثرون هم الفنانون اللامعون بأدوارهم وأعمالهم الإبداعية، أو الكُتاب والمثقفون وإنتاجهم الذي يهدف إلى التأثير في العقل والوجدان، أو الزعماء الحاليون أو التاريخيون بإمكاناتهم الخطابية أو القيادية وبتضحياتهم أو بطولاتهم، وربما أشخاص عاديون فرضت عليهم الظروف التاريخية أو الاجتماعية مساراً معيناً في الحياة فصارت سيرتهم مؤثرة في جانب معين.

لا بد إذن من إنجاز ماثل أمامنا وملموس وقابل للديمومة، ويكون مدى الاختلاف على قيمته ونفعه ضئيلاً، فمجال التأثير مرتبط بالأداء والنتيجة والقيم الأخلاقية والروحية.. فأي تأثير لدى نجوم (سوشيال ميديا)؟، وأي تركيبة شخصية يقدمونها بالأساس كي يصبحوا (المؤثرين)؟ في الواقع لقد صارت (وظيفة مدون) شبه رسمية تفكر بعض الدول في تقاضي ضرائب من ممتهنيها، ولكن هذه الوظيفة لا تخضع لمعايير العمل ولا لقوانينه، وأغلب الذين اشتغلوا بها هم من الشباب المرحين الجريئين وقليلي الخبرة في الحياة، ولكن كثافة الأضواء عليهم وامتلاكهم مهارات ترويجية للسلع من أدوات تجميل ومطاعم ورحلات سفر جعلاهم جذابين لفئة الشباب من أقرانهم، وباعتبارهم يكسبون الملايين سنوياً وأحياناً شهرياً فهذا عامل تأثير في الاقتداء والتقليد.

ليس ثمة، إذن، إنجاز حضاري أو إنساني يقدمونه.. إنهم جزء من ثقافة الاستهلاك لعصر ما بعد الحداثة وقيمه الانتهازية، مما يستوجب دوراً اجتماعياً وثقافياً في سحب لقب مؤثرين منهم، وقبلها دراسة خطورة تأثير بعضهم، حفاظاً على قناعات الأجيال الشابة من التأثر بتلك القيم، التي يصعب تحقيقها، والتي لا تحتاج إلى دراسة أو اجتهاد أو مهارات فكرية وشخصية.