الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أمريكا.. و«وراثة الحضارات»

هناك قانون تاريخي يتعلق بوراثة الحضارات ويسمّى بهذا الاسم، حيث يتحدث المختصون بعلم الحضارات عن قضية عدم وجود منطقة فراغ حضاري في العالم أو التاريخ، حيث تنتهي حضارة لتبدأ أخرى وتزول إمبراطورية لتظهر غيرها، وتأفل قوة دولية لتأخذ منافسة لها مكانها.. وهكذا.

و«وراثة الحضارات» لا تعني أنّ الحضارة أو القوة الكبرى الجديدة بالضرورة ترث ثقافة وفكر ومنهج الحضارة أو القوة السابقة، وإنّما هي وراثة القوة الجديدة من السابقة النفوذ والحكم وإدارة العالم والسيطرة عليه؛ أي ترث دورها ومكانتها كما ورثت أمريكا مثلاً بريطانيا وجزءاً من التركة السوفياتية، وقد تكلم الحق عز وجل عن هذا الموضوع في كتابه العزيز عندما قال: «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، أي ما يعرف كما يقول العلماء بقانون التداول والتناوب على حكم الأرض بين قواه المختلفة.

وما يؤرق القوى الكبرى عادة هو الثبات والبقاء في القمة والاستمرار بالتفرد والتفوق الأوحد دون وجود وارث، وهي تعي تماماً أنّ ما تخسره أو تتراجع عنه سيكون بالمحصلة مكاسب وإنجازات للآخر المنافس أو المتطلع للوراثة، وهنا تكمن الأزمة، حيث يبدأ التنافس والتسابق والتصارع بأخذ أبعاد مختلفة وخطيرة بين الوارث المتوقع والموروث القائم، كما هو حاصل اليوم بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً أنّ الحضارة أو القوة الدولية القائمة عادة وفي كل الحقب التاريخية لا تقبل ولا تستوعب أبداً وراثة الآخر لها، خصوصاً ممن كان دونها وأضعف منها.


وعندها تظهر إشكالية التماهي مع الواقع والركون إليه دون الاعتراف بالتاريخ وقوانينه، حيث لم يقبل به أو يعترف بقوانينه كثير من قوى الأرض سابقاً حتى بعد إصدار التاريخ أحكامه النافذة عليهم، وتلك هي في الواقع طبيعة البشر والأمم والشعوب.


والذي أفقد أمريكا صوابها اليوم هو أنّ الصين بالمفهوم الشعبي المتداول تريد أن ترثها وهي حيّة ولا تزال قوية ومتفوقة ومتحكمة بالعالم، وبالتالي فنحن أمام مشهد تاريخي بمعطيات وتفاصيل جديدة مغرية حقيقة للبحث والتأمل والمراقبة، بغية مشاهدة ومعاينة قوانين التاريخ وهي تُحْكم مفاعيلها وديناميكياتها وأحكامها في الصراعات والتنافسات الدولية.