تتعرض العملات المشفرة مؤخراً لضغوط قد تكون هي الأكبر منذ نشأتها، ولا تقتصر هذه الضغوطات على التراجع الكبير في أسعار العملات وقيمتها، بل تمتد إلى قدرة الكثير من الشركات العاملة في المجال على الاستمرار في العمل لفترة طويلة. فقد بدأت تظهر بعض المشاكل في عدد من الشركات الكبرى، وإن كان الخطاب الرسمي لكل تلك الشركات يشدد على أن عمليات الاستغناء عن الموظفين أو وقف سحوبات العملاء تتعلق فقط بأسباب إعادة الهيكلة وتنظيم العمل، لكن إذا نظرنا للتاريخ في حالات مشابهة، فهذه بداية سلسلة من التعثرات والإفلاسات في قطاع كبر بسرعة جنونية وصرف المليارات من الدولارات على التوسع والانتشار. إن إفلاس أي من الشركات الكبرى -لو حصل- من شأنه أن يثير عاصفة عنيفة في القطاع ستغير من شكله وتعيده إلى الواقع المنطقي لأسواق المال، لكن الخسائر ستكون كبيرة شهد النصف الثاني من عام 2021 أكبر عمليات صرف وتوظيف في قطاع العملات المشفرة بشكل غير مسبوق، حتى في قطاعات أخرى سبق أن حققت نمواً سريعاً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اشترت شركة crypto.com حقوق تسمية ملعب لوس أنجيليس ليكرز بقيمة 700 مليون دولار، بينما قامت شركة Coin Base بشراء إعلانات خلال السوبر بول فاقت 14 مليون دولار لدقائق قليلة. أما في كرة القدم الأوروبية، فقد تعاقد نادي أتلتيكو مدريد الإسباني مع شركة WhaleFin لبيع إعلان صدر القميص بمبلغ 200 مليون يورو لخمس سنوات، وهو مبلغ يساوي تقريباً ثلاثة أضعاف عقد الشركة الراعية السابقة. وأيضاً كان هناك الكثير من عقود الرعاية والتسويق في رياضات وأنشطة مختلفة بمبالغ كبيرة جداً. إضافة إلى ذلك، قام عدد من الشركات المعروفة عالمياً وإقليمياً بإعلان تسريح أعداد من الموظفين بعد أن كانت نفس الشركات توظف بشكل قوي منذ أشهر قليلة. لكن القلق الأكبر جاء من شركة Celsius الناشطة في مجال إقراض العملات المشفرة، حيث أوقفت سحوبات العملاء، رغم أنها أكدت أن أموال وأصول الزبائن في أمان ولا خطر عليها. لا توحي هذه التحركات بالطمأنينة، وخصوصاً مع غياب الرقابة والتشريعات في هذا المجال، فلا يوجد جهات مستقلة تؤكد ملاءة الشركات أو محافظتها على أصول زبائنها بشكل منفصل عن عمليات الشركة. وقد يواجه العملاء مشاكل قانونية معقدة في حال تعرضت أي من تلك المنصات للإفلاس، لأن شركات التصفية والمحاكم لم يسبق أن تعاملت مع حالات مماثلة، وبالتالي قد تأخذ عمليات التصفية سنوات طويلة.
2019-08-04
يؤكد ت. س. إليوت في كتابه «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، أن ثقافة أي مجتمع ترتبط على الدوام بدينه؛ ذلك لأن التفكير الديني والعادات المجتمعية تميل إلى أن تكون مناطق محددة تتعهدها فئات معينة في المجتمع، لما تمثله من أهمية وخصوصية وبالتالي تلك الحساسية الدينية التي تجعل من السلوك والطقوس المرتبطة بتلك العادات ذات قيمة معرفية ثقافية.
ولهذا سنجد أن السياقات الثقافية التي تؤطر هذه العادات تؤسس لتلك العلامات الاجتماعية التي تعبر عن هُوية المجتمع وخصوصيته في التعامل مع الكون من حوله، ولأن الثقافة وعاداتها ترتبط بالدين – كما يقول إليوت – فإن تلك المجتمعات عرفت منذ القِدم تلك العادات والطقوس المرتبطة بالأعوام وأشهُرها؛ فالأعوام تأسست عبر فكرة دينية، وترسخت في تتابع شهورها أيضاً ضمن الفكر الديني، لذا سنجد أن استقبال المجتمعات لها والتعامل معها يتحدد أيضاً ضمن هذا الفكر.
إن تواصل المجتمعات مع أشهر السنة يتأسس ضمن إطار ثقافي ديني، متمايز من حيث تأويل المكانة الدينية للشهر، وبالتالي طريقة التفاعل معها من الناحية الثقافية المجتمعية، لذا سنجد أن شهراً مثل (ذي الحجة) من العام الهجري، يكتسب مكانته الثقافية من ارتباطه بموسم الحج، لذا فإن استقبال شهر بهذه القدسية يجعل المجتمع يبدع ويبتكر عادات وطقوساً يعبر من خلالها عن هذه المكانة.
إن استقبال شهر ذي الحجة له خصوصية في المجتمعات الإسلامية جميعها، ولعله في دول الخليج العربي يحظى بتنوع في أداء مجموعة من تلك العادات والطقوس، التي تبدأ منذ رؤية هلاله؛ فقد كان الآباء ينصبون حبال المراجيح في أفنية المنازل فور خروج الحجاج لأداء فريضة الحج، لتُزيَن بزهور الريحان، وتُقبل عليها الفتيات والنساء يلعبن و«يتمرجحن» في أهازيج خاصة بهذه المناسبة الدينية وأدعية بعودة الحجاج وتلبية لله، هكذا يظل هذا الطقس حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، ليبدأ طقس التاسع منه، إنه يوم عرفة، فتلبس النساء والفتيات الأبيض والأخضر تآزراً مع الحجاج وترميزاً لفضل هذا اليوم.
وللمكانة الدينية لهذا الشهر، فإن المجتمع يحمِّل عاداته وطقوسه مجموعة من الترميزات الدالة، من ذلك ما يُعرف بـ «التهلولة» في سلطنة عمان، حيث يخرُج الأطفال خلال العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، في مجموعات يطوفون الأحياء والطرقات مرددين تسبيحات وأذكاراً دينية منظومة في هيئة شعرية ينشدونها بفرح وحماسة دالة على تلك المكانة التي يمثلها هذا الشهر في الثقافة المجتمعية.
ولهذا سنجد أن السياقات الثقافية التي تؤطر هذه العادات تؤسس لتلك العلامات الاجتماعية التي تعبر عن هُوية المجتمع وخصوصيته في التعامل مع الكون من حوله، ولأن الثقافة وعاداتها ترتبط بالدين – كما يقول إليوت – فإن تلك المجتمعات عرفت منذ القِدم تلك العادات والطقوس المرتبطة بالأعوام وأشهُرها؛ فالأعوام تأسست عبر فكرة دينية، وترسخت في تتابع شهورها أيضاً ضمن الفكر الديني، لذا سنجد أن استقبال المجتمعات لها والتعامل معها يتحدد أيضاً ضمن هذا الفكر.
إن تواصل المجتمعات مع أشهر السنة يتأسس ضمن إطار ثقافي ديني، متمايز من حيث تأويل المكانة الدينية للشهر، وبالتالي طريقة التفاعل معها من الناحية الثقافية المجتمعية، لذا سنجد أن شهراً مثل (ذي الحجة) من العام الهجري، يكتسب مكانته الثقافية من ارتباطه بموسم الحج، لذا فإن استقبال شهر بهذه القدسية يجعل المجتمع يبدع ويبتكر عادات وطقوساً يعبر من خلالها عن هذه المكانة.
إن استقبال شهر ذي الحجة له خصوصية في المجتمعات الإسلامية جميعها، ولعله في دول الخليج العربي يحظى بتنوع في أداء مجموعة من تلك العادات والطقوس، التي تبدأ منذ رؤية هلاله؛ فقد كان الآباء ينصبون حبال المراجيح في أفنية المنازل فور خروج الحجاج لأداء فريضة الحج، لتُزيَن بزهور الريحان، وتُقبل عليها الفتيات والنساء يلعبن و«يتمرجحن» في أهازيج خاصة بهذه المناسبة الدينية وأدعية بعودة الحجاج وتلبية لله، هكذا يظل هذا الطقس حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، ليبدأ طقس التاسع منه، إنه يوم عرفة، فتلبس النساء والفتيات الأبيض والأخضر تآزراً مع الحجاج وترميزاً لفضل هذا اليوم.
وللمكانة الدينية لهذا الشهر، فإن المجتمع يحمِّل عاداته وطقوسه مجموعة من الترميزات الدالة، من ذلك ما يُعرف بـ «التهلولة» في سلطنة عمان، حيث يخرُج الأطفال خلال العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، في مجموعات يطوفون الأحياء والطرقات مرددين تسبيحات وأذكاراً دينية منظومة في هيئة شعرية ينشدونها بفرح وحماسة دالة على تلك المكانة التي يمثلها هذا الشهر في الثقافة المجتمعية.