الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

كيف نستقبل ذا الحجة؟

يؤكد ت. س. إليوت في كتابه «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، أن ثقافة أي مجتمع ترتبط على الدوام بدينه؛ ذلك لأن التفكير الديني والعادات المجتمعية تميل إلى أن تكون مناطق محددة تتعهدها فئات معينة في المجتمع، لما تمثله من أهمية وخصوصية وبالتالي تلك الحساسية الدينية التي تجعل من السلوك والطقوس المرتبطة بتلك العادات ذات قيمة معرفية ثقافية.

ولهذا سنجد أن السياقات الثقافية التي تؤطر هذه العادات تؤسس لتلك العلامات الاجتماعية التي تعبر عن هُوية المجتمع وخصوصيته في التعامل مع الكون من حوله، ولأن الثقافة وعاداتها ترتبط بالدين – كما يقول إليوت – فإن تلك المجتمعات عرفت منذ القِدم تلك العادات والطقوس المرتبطة بالأعوام وأشهُرها؛ فالأعوام تأسست عبر فكرة دينية، وترسخت في تتابع شهورها أيضاً ضمن الفكر الديني، لذا سنجد أن استقبال المجتمعات لها والتعامل معها يتحدد أيضاً ضمن هذا الفكر.

إن تواصل المجتمعات مع أشهر السنة يتأسس ضمن إطار ثقافي ديني، متمايز من حيث تأويل المكانة الدينية للشهر، وبالتالي طريقة التفاعل معها من الناحية الثقافية المجتمعية، لذا سنجد أن شهراً مثل (ذي الحجة) من العام الهجري، يكتسب مكانته الثقافية من ارتباطه بموسم الحج، لذا فإن استقبال شهر بهذه القدسية يجعل المجتمع يبدع ويبتكر عادات وطقوساً يعبر من خلالها عن هذه المكانة.


إن استقبال شهر ذي الحجة له خصوصية في المجتمعات الإسلامية جميعها، ولعله في دول الخليج العربي يحظى بتنوع في أداء مجموعة من تلك العادات والطقوس، التي تبدأ منذ رؤية هلاله؛ فقد كان الآباء ينصبون حبال المراجيح في أفنية المنازل فور خروج الحجاج لأداء فريضة الحج، لتُزيَن بزهور الريحان، وتُقبل عليها الفتيات والنساء يلعبن و«يتمرجحن» في أهازيج خاصة بهذه المناسبة الدينية وأدعية بعودة الحجاج وتلبية لله، هكذا يظل هذا الطقس حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، ليبدأ طقس التاسع منه، إنه يوم عرفة، فتلبس النساء والفتيات الأبيض والأخضر تآزراً مع الحجاج وترميزاً لفضل هذا اليوم.


وللمكانة الدينية لهذا الشهر، فإن المجتمع يحمِّل عاداته وطقوسه مجموعة من الترميزات الدالة، من ذلك ما يُعرف بـ «التهلولة» في سلطنة عمان، حيث يخرُج الأطفال خلال العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، في مجموعات يطوفون الأحياء والطرقات مرددين تسبيحات وأذكاراً دينية منظومة في هيئة شعرية ينشدونها بفرح وحماسة دالة على تلك المكانة التي يمثلها هذا الشهر في الثقافة المجتمعية.