الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

مالكم كيف تحكمون.. وعلى الماء ترقمون!

اللعب بالدين على رقعة السياسة وتحويله من غاية إلى وسيلة سلوكٌ ابتدعه الإخوان، ومن لفّ لفّهم منذ نشأة جماعتهم قبل واحد وتسعين عاماً.. واللعبة الأشهر التي انتشرت كالنار في الهشيم هي لعبة الحاكمية، وقد كانت فكرة عناوين لكتب كثيرة، ومحاضرات بلا عدد لجماعات التطرف والتشدد والإرهاب.

وعلى أساسها تم تكفير الحاكم أو السلطان أو ولي الأمر ثم تكفير المجتمع كله، وبنيت هذه الفكرة على ثلاث آيات في سورة المائدة ختامها: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. الظالمون.. الفاسقون»، فانطلى الفكر المتطرف في هذا الشأن على العامة التي تُساق كالقطيع وراء «قال الله وقال الرسول»، حتى إذا كانت الغاية هي السياسة والسلطة.

إن الفكرة باطلة ومتهافتة، فلا علاقة للحكم والحكام والحاكم وكل ما ورد في النص الديني عن الحاكمية بالسياسة ومصطلح الحاكم السياسي حديث جداً، ولا علاقة له بما ورد في النص القرآني، فالقرآن مقصده الحُكم في المنازعات والأحكام القضائية بدليل قوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله»، ولم يقل: «ومن لم يحكم الناس بما أنزل الله»، وقوله: «وإذا حكمتم بين الناس»، وليس «إذا حكمتم الناس».


إن آية: «ومن لم يحكم بما أنزل الله»، ليست موجهةً فقط للسلطان أو الحاكم بل موجهة لنا جميعاً، ومن لم يحكم نفسه وسلوكه وأسرته ويتحرك في حياته ويقضي بين الناس بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون والفاسقون، موجهةٌ لصاحب القلم وللطبيب والمهندس والقاضي، فالحُكم بما أنزل الله فرضُ عين على الجميع وليس فرضاً على الحاكم وحده، وقد قيل إن الممالك والدول يمكن أن تقوم على الكفر لكنّها لن تقوم أبداً على الظلم.


والحاكمية هنا عدلية لا سياسية، كما أنه لا حدود شرعية لها، ولكنها قواعد متكاملة لحركات الشخص وسكناته في الحياة من قولٍ وفعلٍ، أما حصرها في السلطان فهو شهوة ولعبة سياسة وتحويل الدين إلى وسيلة وعربة يجرّها حصان السياسة والسلطة.

وقد خرجت من بيننا فئة عظيمة يبدو أنها لن تعود، وأعني بها فئة هؤلاء الذين لا ترفعهم ولاية ولا يضعهم العزل، هؤلاء الذين يحكمون أنفسهم بما أنزل الله، وكثر فينا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً هؤلاء الذين على الماء يرقمون وبالهوى يحكمون فما لهم كيف يحكمون!