الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

فرح العيد.. ومتعة التعاون

يذكر شارل كورنريخ في كتابه (تطور المتع البشرية.. رغبات وقيود) أن «التعاون واحد من المتع التي يستمتع بها الكائن الحي عموماً والإنسان بشكل خاص، ولهذا فهو يعتقد أن التعاون هو الأساس الذي شكَّل المجتمع وكوَّنه في كينونته المجتمعية التي ميَّزت ثقافته وحضارته الخاصة؛ ذلك لأنه المسؤول عن ضمان بقائه واستمراريته ضمن أنماط الكيانات المتعددة».

ولهذا فإن المجتمع في سبيل استمتاعه بالتعاون يخلق لنفسه مجموعة من العادات والتقاليد التي ستشكل هُوية جماعية، ومن ذلك نجد أن الديانات السماوية جميعها حثت على التعاون بوصفه سمة أخلاقية رفيعة لها آثار اجتماعية واقتصادية مهمة لاستمرارية نمو المجتمع، وتنامي قدرته على الابتكار والإبداع في مجالات عدة؛ فلقد أمرنا ديننا الحنيف بالتمسك بهذه السمة الأخلاقية في السراء والضراء، ولعل الأعياد واحدة من المناسبات التي تبرز خلالها هذه الميزة الأخلاقية من خلال تلك العادات والتقاليد والطقوس.

إن التعاون الذي تُظهره المجتمعات بين أفرادها في الأعياد يُعد ظاهرة اجتماعية لها سماتها وأنساقها التي يؤسسها بمجموعة من المعطيات الدينية والثقافية والاقتصادية؛ ذلك لأن هذه العادات تم تشكيلها ضمن مجموعة من الممارسات المجتمعية التشاركية، من ذلك ما نجده من عادة (هبطات العيد) التي نجدها في سلطنة عمان مثلاً؛ فهي عادة تسبق العيد بسبعة أيام أو أقل من ذلك في بعض المحافظات، وهي عبارة عن أسواق شعبية مختصة بمستلزمات العيد من المنتجات الحيوانية والزراعية والمنسوجات الخزفية والسعفية وغيرها، يهبط بها أصحاب الحِرف من قراهم إلى مركز الولايات لبيعها، فهي أسواق يشترك فيها أفراد المجتمع كلهم في تظاهرة اجتماعية واقتصادية.


إضافة إلى (هبطات العيد) سنجد عادات من مثل (العيديات) (هدايا العيد، والنقود) التي توزع على أفراد الأسرة والأصدقاء والجيران، وطقوس التعامل مع ذبائح العيد وأضاحيه؛ التي غالباً ما تكون تشاركية يتعاون فيها أفراد المجتمع الواحد سواء في توزيع (عرسية العيد) – أكلة شعبية – التي يتبادلونها، أو يقدمونها للمهنئين صباح يوم العيد، أو ذلك التجمع في المجالس والبيوت لأكل (اللحم المقلي) بعد صلاة الظهر، أو تلك التظاهرة الكبرى التي يحتشد فيها أفراد المجتمع في الأحياء حول أفران شي لحم (الشواء) عند دفنه أو عند استخراجه في اليوم الثاني بالأهازيج والأفراح.


إن التعاون بوصفه سمة أخلاقية وإمتاعاً إنسانياً، يقوم على مجموعة من الأخلاق التي تجعل للمجتمع هُوية ثقافية لها سماتها وأبعادها المعرفية الخاصة التي يجب علينا الحفاظ عليها.