السبت - 18 يناير 2025
السبت - 18 يناير 2025

المبالغة في رد الفعل لصالح من؟

في أحيان كثيرة لا نفهم ما يحدث حولنا، كأن نشاهد رفضاً كبيراً لمبادرة إيجابية، أو اعتراضاً متطرفاً على أمر عادي لا يستحق أن نتوقف عنده طويلاً.

إن سبب عدم الفهم هذا يعود إلى أننا ننظر إلى السلوك ولا نلتفت إلى من قاموا به، فتبقى الدهشة على حالها ولا تنجلي طالما أن الأسباب الدافعة إليها ظلت مجهولة.

دعونا نتأمل هذا الموقف الذي يمكن أن يحدث في أي مكان من العالم.. سائحة أوروبية، تدخل، أثناء تجوالها في مركز المدينة، مسجداً مكتظاً بالمصلين، وتلتقط بأريحية تامة صوراً للمصلين، والمحراب، وزخارف القبة.. بعد التسليمة الثانية يصيح عليها أحد المصلين بغضب طالباً منها الخروج، فتجزع، وترتبك، وتهم بالمغادرة.. مُصلٍ آخر يلحق بها، ويبسّط لها الأمر، ويوضح لها بلغة حانية أن هذا المكان له قداسة خاصة عند المسلمين، ولا يجوز الدخول إليه بملابس قصيرة، وينتهز الفرصة لإرشادها لبعض المعالم السياحية القريبة.


لو توقفنا عند السلوك، فلن نفهم الدوافع، لكن لو تعمقنا في شخصية كل طرف فسينجلي الغموض.


إن المتدين بلا وعي يميل إلى إساءة الظن بمن يختلفون عنه في المُعتقد، وينظر لجميع أفعالهم غير المألوفة بالنسبة إليه بريبة كبيرة، ويشعر بأنها تمثل تهديداً له، ومساساً بمقدساته، حتى وإن صدرت عن جهل، وبحُسن نية.

أما المتدين بوعي، فيميل إلى التأني طويلاً قبل المبادرة بأي ردة فعل، وينظر إلى الأمور من جميع زواياها، ويلتمس الكثير من الأعذار للآخرين، ويفضّل التصالح على التصادم، والتعايش على الانعزال، لذلك يمكن اعتبار الوعي أحد المحددات الرئيسة لردود الأفعال.