الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الترشيد.. وسياسة الدول

الترشيد هو السر الأبدي والخفي في سمو الدول أو سقوطها عبر التاريخ، وأول درجات السقوط ابتعاد الدول عن العقلانية الفطرية، أي عدم إدراك عقول أهلها للواقع وللحقيقة، ما يعني غياب الرشد، وتلك الحال تؤدي بالمجتمعات إلى ثقب أسود يستنزف جميع الموارد البشرية والطبيعية عبر عملية استهلاك معقدة يكون الوقت ضمن ضحاياها.

والترشيد كما يعرفه الدكتور عبدالوهاب المسيري هو «إعادة صياغة الواقع وتنظيمه وإدارته بطريقة تعظم الإنتاج وتحقق أفضل النتائج من خلال أنجع الوسائل وتوظيف المدخرات بطريقة تضمن تقليل العدم وزيادة المدخرات، ويتم ذلك عبر عملية تخطيط مركبة وحسابات دقيقة»، لهذا على المؤسسات الحكومية عدم التعامل مع الواقع بشكل ارتجالي وجزائي، إنما بشكل منهجي ومتكامل، حتى يحقق الترشيد أهدافه.

من ناحية أخرى، لن يكون للترشيد قيمة ما لم يكن الهدف واضحاً ومرتبطاً بالوطن وبالأخلاق وبالمقدس، والأهم أن يشعر الفرد بالمردود الفعلي للترشيد، وفي هذا السياق يقول السياسي الألماني هاري جراف كيسلر ـ بعد الحرب العالمية الأولى: «إذا استطعنا الجمع بين تدابير ترشيدية اجتماعية واسعة دون الحد من الإنتاج، فسنكون حقاً في مقدمة العالم في سنين قليلة»، وفعلاً استطاعت ألمانيا امتصاص نكبتها والنهوض سريعاً في حربين عالميتين، وكذلك استطاعت اليابان النهوض سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية من خلال خطط ترشيدية تعتمد على تغيرات أساسية في البنية والتحكم بالموارد والتقنية. وفي المقابل، فإن انهيار الاتحاد السوفييتي كان بسبب عدم الترشيد، وعودة روسيا ونهضتها اليوم يرجع أيضاً إلى الترشيد.


وبالنسبة إلى دولة الإمارات، فإنها تدرك التحديات الكبيرة التي سوف تواجهها خلال العقد المقبل، ولا يمكن أن تتغلب عليها إلا بامتلاك فائض من القوة، خصوصاً الموارد البشرية والطبيعية، وكذلك بتوافر فائض من الوقت، ولأن أغلى ما تملكه الإمارات لمواجهة التحديات المستقبلية هو الوقت فقد تم ترشيده، بدليل النجاح في توفير أكثر من 60 في المئة من الوقت المهدر من إنجاز المعاملات الحكومية، وكسر البيروقراطية الإدارية.. ومع ذلك فنحن في حاجة إلى تنظيم ورش للترشيد ـ بدءاً من رياض الأطفال والمدارس الابتدائية ـ ليتحول إلى سلوك اجتماعي عام.. كما أتمنى أن يكون هناك عام للترشيد في الإمارات.