2019-08-31
على قلة مقابلاتها الصحفية وإطلالاتها العامة، إلا أن السيدة فيروز قادرة على ابتكار الحكمة في كلامها المقتضب والقليل.
ففي أحد تلك اللقاءات النادرة، سئلت عما إذا كانت تصلي وماذا تقول في صلاتها، ردت بكل عفوية المؤمن بتواضع: «إذا قلت لك شو هي صلواتي، ما بعودوا صلوات، بصيروا أخبار»!
وتلك من هواياتي، أن أجمع وألتقط كل ما تيسر لي من توثيقات للحالة «الرحبانية» ونوادرها ويشمل ذلك السيدة فيروز.
تغني فيروز مثلاً في مطلع وخلال وصلة موشحات أندلسية ما ليس له علاقة بكل تاريخ الأندلس، فتقول محلقة بمستمعيها بيتاً شعرياً: «ولقد ذكرتك والرماح نواهل .. مني وبيض الهند تقطر من دمي».. تشعر بالدهشة والانبهار كيف استطاع هذان الشابان من ضيعة أنطلياس اللبنانية، أن يحفرا في كتب الأدب والشعر ليخرجا بيتاً لشاعر عبسي أسطوري هو عنترة بن شداد.. تلك آلة انتقال عبر الزمن سحرية أبدع ابتكارها الأخوان عاصي ومنصور الرحباني.
الانتقاءات الرحبانية مثلها مثل الابتكارات الرحبانية ليست عفوية بلا معنى، بل عميقة، لها أهدافها وتجلياتها العبقرية.
تلك الحالة ذاتها التي أعادت الاعتبار لشخصية قلقة ومقلقة في تاريخ الشعر والسياسة العربية الإسلامية، مثل أبي نواس، الحسن بن هانئ، فقام الرحابنة وبهدوء شديد بإحياء أرق غزله في مواجهة تاريخية متأخرة أمام تيار سلفي شوّه سيرة الحسن بن هانئ لأسباب سياسية، فصوره بالخالع العابث والكحولي المدمن صاحب الميول البيدوفيلية، فكانت رائعته بصوت فيروز «حامل الهوى تعب» رداً موسيقياً مفحماً على التشويه التاريخي.
لم تغن السيدة يوماً لزعيم أو ملك أو رئيس، لكنها غنت للأوطان جميعها بين المحيط والخليج، وغنت للتاريخ واستحضرته بقوة رحبانية مبدعة، مشاركة كبار الشعراء والملحنين.
يقال إن الموسيقار محمد عبدالوهاب كان يسهر في بيت عاصي، وبرفقتهم منصور والسيدة فيروز، وحين تأخر الوقت استأذن عبدالوهاب في المغادرة، فطلب منه عاصي البقاء بقوله: «إسهار.. بعد إسهار»، فالتقطتها أذن العبقري الموسيقية، وكانت في اليوم التالي قد اكتملت قصيدة شعرية ولحناً ناجزاً غنته فيروز في رائعتها المشهورة.
كانت فيروز أيقونة الحالة التاريخية، وكان التركيب الشخصي للسيدة نهاد حداد، وقد سماها الراحل حليم الرومي فنياً «فيروز»، اكتمالاً لتلك الحالة الرحبانية الفريدة، فتشكلت الكاريزما المطلوبة لعالم الرحابنة الذي مثلته السيدة على أكمل وجه، لنستمتع بكل تلك العبقرية الخالدة حتى اليوم.
ففي أحد تلك اللقاءات النادرة، سئلت عما إذا كانت تصلي وماذا تقول في صلاتها، ردت بكل عفوية المؤمن بتواضع: «إذا قلت لك شو هي صلواتي، ما بعودوا صلوات، بصيروا أخبار»!
وتلك من هواياتي، أن أجمع وألتقط كل ما تيسر لي من توثيقات للحالة «الرحبانية» ونوادرها ويشمل ذلك السيدة فيروز.
تغني فيروز مثلاً في مطلع وخلال وصلة موشحات أندلسية ما ليس له علاقة بكل تاريخ الأندلس، فتقول محلقة بمستمعيها بيتاً شعرياً: «ولقد ذكرتك والرماح نواهل .. مني وبيض الهند تقطر من دمي».. تشعر بالدهشة والانبهار كيف استطاع هذان الشابان من ضيعة أنطلياس اللبنانية، أن يحفرا في كتب الأدب والشعر ليخرجا بيتاً لشاعر عبسي أسطوري هو عنترة بن شداد.. تلك آلة انتقال عبر الزمن سحرية أبدع ابتكارها الأخوان عاصي ومنصور الرحباني.
الانتقاءات الرحبانية مثلها مثل الابتكارات الرحبانية ليست عفوية بلا معنى، بل عميقة، لها أهدافها وتجلياتها العبقرية.
تلك الحالة ذاتها التي أعادت الاعتبار لشخصية قلقة ومقلقة في تاريخ الشعر والسياسة العربية الإسلامية، مثل أبي نواس، الحسن بن هانئ، فقام الرحابنة وبهدوء شديد بإحياء أرق غزله في مواجهة تاريخية متأخرة أمام تيار سلفي شوّه سيرة الحسن بن هانئ لأسباب سياسية، فصوره بالخالع العابث والكحولي المدمن صاحب الميول البيدوفيلية، فكانت رائعته بصوت فيروز «حامل الهوى تعب» رداً موسيقياً مفحماً على التشويه التاريخي.
لم تغن السيدة يوماً لزعيم أو ملك أو رئيس، لكنها غنت للأوطان جميعها بين المحيط والخليج، وغنت للتاريخ واستحضرته بقوة رحبانية مبدعة، مشاركة كبار الشعراء والملحنين.
يقال إن الموسيقار محمد عبدالوهاب كان يسهر في بيت عاصي، وبرفقتهم منصور والسيدة فيروز، وحين تأخر الوقت استأذن عبدالوهاب في المغادرة، فطلب منه عاصي البقاء بقوله: «إسهار.. بعد إسهار»، فالتقطتها أذن العبقري الموسيقية، وكانت في اليوم التالي قد اكتملت قصيدة شعرية ولحناً ناجزاً غنته فيروز في رائعتها المشهورة.
كانت فيروز أيقونة الحالة التاريخية، وكان التركيب الشخصي للسيدة نهاد حداد، وقد سماها الراحل حليم الرومي فنياً «فيروز»، اكتمالاً لتلك الحالة الرحبانية الفريدة، فتشكلت الكاريزما المطلوبة لعالم الرحابنة الذي مثلته السيدة على أكمل وجه، لنستمتع بكل تلك العبقرية الخالدة حتى اليوم.