الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

رأس السنة الهجرية.. وهوية الأمة

يقرر يوري لوتمان في كتابه (سيمياء الكون)، التاريخ البشري ليس سوى تمظهر لقانون (الزمان والمكان)، وبذلك ستكون (الكائنات البشرية سابحة داخل فضاء واقعي، هو الذي منحته إياهم الطبيعة)، ولهذا، فإن الإنسان بوعيه ينجز نماذجه ويحددها انطلاقاً من ثوابت مثل حركة الأرض والنجوم وغيرها من الثوابت التي توصل إليها بناء على مجموعة من المعطيات.

لذا، فإن المجتمعات الإنسانية عندما أرادت أن تعين دائرة الزمن والفضاء الذي يحدد هويتها اختارت أن تربط الزمان بالثقافة والهوية التي تميزها، ولا شيء يميز تلك المجتمعات والأمم كالدين، لذلك نجد أن المسيحية جعلت من ميلاد المسيح عليه السلام بداية للعام مثلاً، وهكذا اتخذ المسلمون من الهجرة النبوية بداية للعام، على الرغم من اعتمادهم الأشهر القمرية، وذلك منذ أن وضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هذا التقويم اعتماداً على هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة في 22 ربیع الأول /‏‏‏ 24 سبتمبر عام 622م، فهي ثقافة دينية تجعلها الأمم تأسيساً للهوية الزمانية من ناحية، وضبط كوني له من ناحية أخرى. ولأن رأس السنة الهجرية مرتبط بهذه المناسبة التي تُعد انطلاقة أساسية لمسيرة الدعوة الإسلامية، وبالتالي هوية دينية للأمة، فإن لها مكانة خاصة في قلوب الشعوب الإسلامية، على الرغم من أن بعض المجتمعات تعتقد أن الاحتفال بها لم يُعرف عن السلف الصالح، إلا أنه يكفي أن المجتمعات الإسلامية كلها تعتبر هذا اليوم عطلة رسمية من العمل، وبالتالي فإنه يوم يتفرغ خلاله أفراد المجتمع للذكر والأدعية والإنشاد من ناحية، وتجتمع الأسر والأصدقاء في المجالس التي تعزز من علاقاتهم الإنسانية والدينية من خلال تذاكر هذه الهجرة. وما لرأس السنة الهجرية من مكانة، فقد ارتبط بها الكثير من الطقوس والمعتقدات في كثير من الدول، خصوصاً العربية، كما هو الحال في تونس ومصر وليبيا ودول الخليج العربي وغيرها، فهناك الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة كما في تونس، حيث يعدون العصيدة والملوخية، وهناك عادات الخطبة التي تعتبر هذا اليوم مباركاً للارتباط. ولأن الحركة كما يقول الفخر الرازي: «تُقدر الزمان على معنى لأنها تدل على قدره بما يوجد فيه»، وبهذا أسست رأس السنة الإسلامية لارتباطها بذلك الحدث الحضاري، عبر توالي الأعوام قيماً إنسانية مرتبطة بالدين والفكر وبهوية الأمة.