الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

المسلمون.. وإعادة صياغة الأولويات

في لقاء جمعني مع مثقفين مسلمين في نيو دلهي قبل أشهر للتباحث في شأن الأخذ بأسباب النهوض بالمسلمين الهنود، أكد أحدهم ـ وهو سياسي شاب ناشئ ـ ضرورة تثقيف المسلمين الهنود بما أنجزه أسلافنا من العرب والمسلمين في مختلف مجالات العلم والفن والفكر، وما قدموه للحضارة الإنسانية، وذلك بهدف إعادة ثقتهم بذاتهم قبل الخوض في أي مشروع نهضوي.

وأبرز بعضهم ما قدمه الأسلاف من منجزات حضارية، وكيف ظل العرب روّاداً للعلم لقرون طويلة، في حين كان الغرب يتسكّع في دياجير الظلام والجهل، وكانت المدن العربية والإسلامية مثل بغداد وقرطبة وصقلية منارة للعلم يتوافد إليها طلاب العلم من بقاع الأرض، وقد عمل العلماء المسلمون على إزالة الأوهام والخرافات التي لصقت بالعلم وأسّسوا للعلم التجريبي القائم على النظرة المادية لتفسير الظواهر الطبيعية، وبفضله تطور الكثير من العلوم التجريبية والتطبيقية على أيدي علماء كبار أمثال: أبوبكر الرازي، ابن سيناء، الخوارزمي، ابن الهيثم، الخازني، البيروني، ابن النفيس، الزهراوي وعباس بن فرناس، وكثيرين غيرهم، وقد مهّد هذا الرصيد العلمي الضخم الأرضية المناسبة لانطلاق النهضة الأوربية الحديثة، بحسب اعتراف المنصفين من علماء الغرب الذين شهدوا بما للعرب من فضل كبير على البشرية في أخذ الحركة العلمية إلى الأمام. وصدقت الكاتبة سلمى خضراء الجيوسي إذ قالت: «لولا العرب لتأخرت النهضة الأوروبية». ومع ذلك تتمثل المفارقة الكبرى اليوم في عدم استطاعة نسبة كبيرة منهم الاطلاع على تاريخهم وتراثهم نتيجة لتفشي الأُمية والجهل فيهم، فشتان ما بين الحضارة التي أنشأها المسلمون في الماضي التي تميّزت بروح حب العلم والاستطلاع والتجريب ـ السمة التي تميّز الحضارة الغربية الحديثة - وحاضرهم الأليم المؤسف من سيطرة الأُمية والجهل والعصبية والأوهام والخرافات في مجتمعاتهم، واستحضرت ما قاله أحد الكتاب المسلمين أن المسلمين لم ينتجوا شيئاً في القرون الخمسة الماضية، وأنهم ليسوا إلا مستهلكين لما ينتجه أهل الغرب والشرق، وحاضر المسلمين اليوم - على الرغم من الوفرة الاقتصادية التي ينعمون بها - لا يبشر بأي خير للمستقبل، ولن تتغيّر حالتهم ما لم تسر فيهم تلك الروح المتعطشة للعلم والحكمة التي جعلت من أسلافهم روّاداً للعلم في العالم. يحتاج العالم العربي والإسلامي إلى إعادة صياغة أولوياته إن أراد الإسهام في الحضارة الإنسانية المعاصرة في عصر الابتكار العلمي والتكنولوجي السريع، ولا سبيل إلا بالتوجه إلى العلم وتخصيص أكبر قدر ممكن للموارد لذلك.