الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الشاعر الذي يمر

في كتابه «شاعر يمر» يذهب عبد اللطيف اللعبي في لعبة مع الكتابة، فالشاعر الذي توقف عن تدوين المذكرات اليومية بعد تجربة تعود لسنوات الشباب الأولى، يعود متحدياً نفسه من جديد بعد تراكمات الحياة والتجربة وما حولهما، ليدون تلك اليوميات، لتكون في مقام التساؤلات حول الكتابة والإنسان والجدوى البعيدة من الأدب، حيث يتساءل في موضع عن ذلك في المقدمة قائلاً: «نكتب من أجل الحفاظ على ذاكرة المغامرة الإنسانية، وربما لكي نشهد، من يدري خلال كم من الوقت، آخر اختلاجاتها.. هل تكون تلك هي المهمة الأخيرة للأدب؟».

وبالنسبة للعبي، تكمن المغامرة هنا في جعل الكتابة حاضرة مطواعة في اليد، بدلاً من أن يكون لها تجليها الخاص الذي لا يعرفه زمان ولا مكان محدد كما هو الحال في القصيدة، لكن اللافت هو أن مغامرة اللعبي التدوينية تحولت بعد المرور على الأسئلة والأشخاص وبعض الأحداث في حياة الشاعر، التي خط في بداية كل منها تاريخاً ووقتاً محددين، مع الوقت لتصبح مجموعة من الرسائل التي وجهها إلى الوطن والذاكرة والآخر الذي لم يعد موجوداً.

لكأن الرسائل بالنسبة للعبي، هي مغامرة الكتابة الحيوية، حيث تبث كل تلك الأفكار الحميمة والمكثفة بدلاً من تدوين اليوم العابر، اليوم الرقم الذي يأخذ منك في غالب الأحوال أكثر مما قد يعطيك.


إن تأمل يوميات الشاعر بعد تحولها لرسائل جعلني أستذكر كتابه الشهير في أدب الرسائل الذي حمل عنوان «رسائل قلعة المنفى»، حيث التدوين اليومي من السجن، متحدياً الخوف والمرض والتفكك.


لقد كانت الرسائل من قلب الإقصاء تعيد وصل الشاعر بالعالم، تعيده موجوداً وكثيفاً وحياً أكثر من القصيدة نفسها في ذلك الحين، وفي زمن الرسائل النصية القصيرة والبريد الإلكتروني الباهت تأتي رسائل كتلك لتعيد لفكرة التواصل مع الذات والآخر وهجها الوجودي الخالص.