2019-09-03
يقف التونسيون هذه الأيام على أعتاب مرحلة سياسية جديدة في تاريخهم، مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة وما سيعقبها من انتخابات تشريعية ستحدد بوصلة التوجهات السياسية للأعوام الخمسة المقبلة، إلا أن المتابع للشأن التونسي يدرك تماماً أن الحالة الشبيهة بالفسيفساء التي تطبع المشهد السياسي للتونسيين أُسقطت بشكل متعمد وممنهج على واقعهم السياسي، للتلاعب بموازين القوى والقدرة على التأثير في الشارع بما يخدم مصالح أيديولوجيات محددة.
217 حزباً سياسياً و26 مرشحاً للانتخابات الرئاسية من أصل 98 شخصية تقدمت بأوراق ترشيحها، واقع يثير المخاوف من أن موازين القوى قد تميل لمصلحة حزب النهضة خاصة في الانتخابات التشريعية، فالحزب برغم تراجعه الواضح ما زال يمتلك خزاناً انتخابياً من العناصر المؤدلجة، بينما الأحزاب والتيارات الأخرى مشتتة ومفتتة بطريقة تثير الدهشة، تجعل المشهد الحزبي التونسي يبدو كأنه حالة اقتصادية تنافسية بين مجموعات عمل مختلفة.الأحزاب التونسية بعددها المربك وانقسامها تقدم خدمة كبيرة لحزب النهضة، إذ لن يواجه أحزاباً ذات ثقل شعبي مقارنة مع ثقله في الشارع، ومع أن أغلب الأحزاب تقف ضد النهضة، إلا أن تشتتها سيحرمها من الحصول على الأغلبية البرلمانية القادرة على تحديد توجهات الدولة للسنوات المقبلة بما يخدم تونس ورفاه مواطنيها.
مطلعون على الشأن التونسي يرون أن أموالاً ضخمة أغدقت على شخصيات مدنية للدخول إلى معترك السياسة وتشكيل أحزاب وقوائم انتخابية، لإغراق المشهد الانتخابي التشريعي بالشكل الذي يجعل البرلمان المقبل عبارة عن كتل صغيرة غير قادرة على أن تمسك زمام القيادة وتفرض مرشحها لرئاسة الوزراء، وهنا قد تكون استراتيجية النهضة واضحة تماماً عبر بروزها ككتلة متماسكة وحيدة قادرة على عقد تحالفات قوية مع بعض الكتل الصغيرة للتدخل على الأقل في تسمية رئيس الحكومة المقبل، وبذلك تكون قد وضعت يدها في خرج الحكومة حتى ولو خسرت رئاسة تونس ولم تحقق أغلبية في البرلمان.
التونسيون اليوم مطالبون بأن يركزوا على عقد تحالفات مدنية واندماجات للأحزاب المتقاربة فكرياً، لإيجاد قوة حزبية مؤثرة في الشارع التونسي، قادرة على مقارعة الأحزاب الأيديولوجية وحماية الديمقراطية التونسية، التي يريد البعض لها أن تكون مجرد رافعة تحقق أهدافهم، عبر تفتيت الأصوات وتشتيتها، حتى لا يبقى من ينافسهم في الساحة.