الخميس - 14 نوفمبر 2024
الخميس - 14 نوفمبر 2024

تواصل اجتماعي أم قطيعة إنسانية؟

يُرْوَى أن مخترع المسدس الأمريكي صمويل كولت، قد قال بعد أن راج اختراعه (اليوم يتساوى الشجاع والجبان)، وعلى ذات النسق يذكر في ثورة الإنترنت، التي جعلت التدفق المعلوماتي أداة إنتاج في يد الجميع، أن الأحمق والذكي يتساويان فيه.

ليس هناك ما هو أسهل من أن تبث رسالة على شكل إدراج أو تغريدة على أي منبر من منابر التواصل الاجتماعي، ولا أسهل من أن تضع في الرسالة ما شئت من معلومات أو مشاعر، والأسهل طبعاً أن تضمن الرسالة خطابات كراهية غير مسؤولة، وتلقيها في تلك المساحات الشاسعة من الفضاء الإلكتروني فقط لتشعر بوهم الرضا وأنت تحصد الإعجابات والمتابعين والردود، وهناك من لديه لذة في تعذيب ذاته بتلقي الردود الغاضبة متعمداً الاستفزاز وبث الكراهية.

في عالمنا العربي، كانت وسائل التواصل الاجتماعي بأكبر منصتين فيها (فيسبوك وتويتر) قد انتهت إلى غير ما أنشئت من أجله، فالاسم وحده أصبح مثاراً للسخرية، فأي تواصل اجتماعي أمام محتوى هائل من الكراهية والتحريض والشتائم والتعريض بالناس على العموم، وأي تواصل هذا الذي يدعو إلى القطيعة بالمجمل، وتحميل أعباء تلك الرسائل على سياسات الدول وهو ما يجعل «الرسمي» في الدولة منشغلاً بإزالة الأحجار التي يرميها المجنون، أي مجنون، في البئر.


من محيطنا إلى خليجنا، نعيش في هذا العالم العربي هوس الإدراجات والتغريدات، وعلى كل المستويات، في السياسة والفن والمجتمع، وتحولت الغيبة والنميمة إلى مراحل من الاحتراف لا ينقصها إلا تنظيم نهائيات دوري أبطال السوشيال ميديا، للحصول على كأس أكبر محرض على الكراهية أو ناشر للفتنة أو مروج للإشاعات.


حتى المعلومة، صارت مشاعاً بلا قيود مهنية حصيفة تحافظ على سلامتها وصحة محتواها، وصار يمكن بكبسة زر أن تنشر إشاعة على صيغة خبرية فتثير ما تثيره من نتائج سلبية ونقع في محنة ذلك المجنون الذي يرمي الحجارة في البئر.

في صفحة فيبسوكية «بلجيكية» ألاحظ الفرق في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، حين يضع أحدهم إدراجاً يتضمن خبراً ما يهم الرأي العام، فإن أغلب التعليقات تطالب ناشر الإدراج بمصادره الإخبارية، وإلا فإن إدراجه يلاقي الإهمال والنبذ.

القصة لا تحتاج قوانين بقدر ما تحتاج وعياً بالتلقي حتى نقطع ذلك اللاوعي بالإرسال.

هذا عالم افتراضي، وهذا صحيح، لكنه في عالمنا العربي بدأ يتمدد حتى صار يخرج من هواتفنا ليطغى على كل تفاصيل حياتنا، وكل ما نحتاجه هو بعض من الوعي والتساؤل أمام هذا الطغيان المضلل.