الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

عند الضرورة.. نعم للاقتراض اللغوي!

الاقتراض اللغوي ظاهرة طبيعية. والعربية قديمًا وحديثًا أخَذَت مِن غيرها ألفاظًا صَقَلَتها حَتَّى انسابَت في نِظَامِها الصوتي وأوزانِها وذابت فيها ذَوَبَانَ الملح في الطعام. فأيُّ أحَد اليوم يستطيع أن يُدْرِكَ بِحِسِّه اللغوي فقط الأصلَ الرُّومِيَّ للفظ ‹‹دِمَقْس›› أو الفارسيَّ لكلمة ‹‹إستبرق››، أو اليونانيَّ لكلمة ‹‹قانون››، أو الهنديَّ للفظ ‹‹كافور››. ولغةُ الضاد إذِ اقترضت من غيرها في العصور السابقة، فإنَّها ما لَبِثَت إلا قليلا حتَّى قَضَت دَيْنَها بأضعافه.

لقد اسْتَطاع لُغَويُّونا وكُتَّابُنا المحدثون، على غِرار سَلَفهم، أن يُحْيُوا أو يُوَلِّدوا مقابلًا عربيًّا لكثير من الكلمات الأجنبية. فقد أصاب مَن استخدم كلمات ‹‹هاتف›› و‹‹إذاعة›› و‹‹مَسرح›› و‹‹حاسوب››، و‹‹طائرة››، و‹‹سيارة››، و‹‹صحيفة››، إلخ؛ بدلا من مقابلاتها الأجنبية. فمثلُ هذه المصطلحات إبداعٌ يَدُلُّ على عبقريةِ العربية ومرونتها، وعلى ما يمتلكه أهلُها مِنْ حِسٍّ مُرْهَف. لكنَّنا في المقابل نَقَلْنا حَرْفِيًّا، دون جُهْد أو اجتهاد، مصطلحاتٍ مثل ‹‹تلفزيون›› (أو ‹‹تِلفاز›› والتِّلفاز أفضل عندي) و‹‹إنترنت›› (رغم وجود المرادف ‹‹الشَّبَكة››). فهلَّا تَمَكَّنَّا من اشتقاقِ بدائلَ أو نَحْتِها للمصطلحات الحديثة.

على أنَّنَا ينبغي أن نستقبل الكلمات الأجنبية إذا لَمْ نَجِد لها مقابِلا عربيًّا، بعد صقلها وإخضاعها لنظام لغتنا. لكن علينا قبل ذلك أن نبحث في مخزوننا اللغوي الثَّريِّ وما تملكه لغتُنا من وسائل الاشتقاق والنحت والتوليد لوضع مُرادفات عربية للمصطلحات الجديدة.


وأُؤَيِّد في هذا السياق دعوةَ الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرَّمة، إلى إيجاد مرادف عربي لكلمة «snapchat». وهذا ليس تَعَصُّبًا، بل هو غيرةٌ مشروعةٌ على لغتنا القومية. فلا شكَّ أنَّ هذه الكلمة بهذه الصيغة مِمَّا يَسْتهجِنُه اللِّسانُ العربيُّ كأمثال الكلمات الْمُعَرَّبة من منطق اليونان التي لَم تُسِغْها لغتُنا وأهلُها، كمَا لَحَظَ البيروني في عصره، وهي: «إيساغوجي»، و«قاطيغورياس»، و«باري أرمنياس»، و«أنولوطيقا». ونَعَى البيروني على المترجمين استخدامَها لغير ضرورة، مُشيرًا إلى مُقابِلاتها العربية، وهي: «المدخل» و«المقولات»، و«العبارة»، و«القياس».


وأرجو أن تكون دعوةُ الأمير السعودي فاتحةً لاشتقاق أو تعريب مصطلحات أخرى كثيرة تنتظر التجنيس في لغتنا، مثل «الواتساب»، والإنستغرام«، و»الفيسبوك"؛ إلخ. فهذه الكلمات بصِيَغِها الحالية بعيدةٌ من لُغتنا، فلا بُدَّ من إيجاد بدائلَ لها أو تعريبها بمنهج صحيح. ثُمَّ حِين تُعَرَّب الكلماتُ أو يُشْتَقُّ لها بديلٌ عربي، فيَجِب ألا تُسْتَخْدَم في صيغة الفعل؛ لأنَّ ذلك يُسَمِّم العربية.