الأصوات المزعجة.. والممر الطويل

نحن بحاجة إلى الثقافة، لأنها لا تجعلنا في مأتم مع أنفسنا، ولا تجعلنا نعيش تحت ظلال كاتمة وقاتمة، الخروج من داخل أفكارنا القديمة مطلب كبير، لأنه سيساعدنا على تجاوز القمع الفكري والإنساني الذي ألزمنا به.. البعض يمتلك صوتاً عريضاً يصرخ بمطالب تصحبك تجاه الحساسيات الأخلاقية، لتكتشف بعد ذلك أن صاحب هذا الصوت لو أمتلك ثقافة وارفة من الكتب والمطالعات، لم يكن أبداً ليظهر على الملأ ويصفق الناس لأفكاره التي تجدها مليئة بمعاناته هو نفسه مع الجانب الآخر من العالم.

الصوت العالي في وطننا العربي دائماً يكسب، أما هؤلاء الذين لا يجاهرون بثقافاتهم ولا بميولهم الفكرية، فهم يخشون من القمع الاجتماعي، هؤلاء الذين يؤمنون باحترام حقوق الإنسان واحترام توجهات الأقليات، الذين يسعون إلى الحد من حرية الفكر بما يتماشى مع القواعد الأخلاقية، متجاوزين حساسية الكراهية بشتى أشكالها وصورها، هؤلاء لا يظهرون على السطح، فالأغلبية العظمى ستتهمهم بأنهم مدعين أو حتى ممولين، ويمكن لشعوب عدة لتصدق ذلك.

بدأنا نخاف من أن نتكلم عن فكرنا الحقيقي المتسق مع الإنسانية.. بدأنا نخشى الضرب العلني، حتى أننا تهنا في الحديث عن الكتب والروايات التي لربما تختلف إلى حد ما مع كونيات المجتمع الذي نعيش فيه.

حينما تفكر بأننا قد وصلنا إلى هذا الممر المغلق، هذا الممر الطويل، الذي يريد منك أن لا يرتفع صوتك، هذا الصوت الذي لربما يحول حياة الآخرين إلى نشوة ذهنية، باتت مرفوضة وغير مقبولة من ذوي الأصوات، التي لا تمتلك فرصة لكي تثبت للجميع ثقافتها العريضة، لأنها في واقع الأمر لا تمتلك هذه القدرة.