الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الرّجل الّذي هزّ الجبل

«لا يجب أن تكون بطلاً استثنائيّاً لتنجز بعض الأمور، فقد تكون شخصاً عاديّاً، ولكن إذا ملكت دوافع قويّة لبلوغ مرامك فيمكنك تحقيق الأهداف الصعبة»، هذه مقولة شهيرة للسّير «إدموند هيلاري» الّذي تسلّق قمة «إفرست» أعلى قمة في العالم عام 1953، وكان «إدموند هيلاري» قد فشل في الوصول إلى القمّة مرّة أولى، وترك وراءه ثلاثة من رفقائه أمواتاً على سفح الجبل، ولكنّ الحكومة الإنجليزية منحته أعلى وسامٍ لها نظراً لمجهوده العملاق، واستدعته للمثول أمام البرلمان، وعندما دخل «إدموند» البرلمان وقف الجميع، وراحوا يصفّقون له، وكانت هناك صورة عملاقة له ولقمة «إفرست» موضوعةً في صدر القاعة. تجاهل السيّد «إدموند هيلاري» الحضور تماماً، ووقف مباشرة أمام تلك الصّورة ولوّح بقبضته مخاطباً جبل «إفرست»، وقال: «لقد فزت أنتَ هذه المرة، أنت كبير بقدر ما ستكون، ولكنّي أنا الأكبر باستمرار»، ويفيدنا التّاريخ بأنّه في تمام الساعة 11:30 صباحاً في 29 أيّار من عام 1953 نجح «إدموند» في محاولته الثاّنية، ليكون أوّل رجل في التّاريخ يتسلّق قمّة «إفرست»، متجاوزاً التّحدّيات والمخاطر.

لم يكن إدموند هيلاري شخصاً استثنائيّاً يملك من المواهب والقدرات ما لا يملكها الآخرون؛ شأنه في ذلك شأن عدد لا يحصى من العلماء المخترعين والمكتشفين الّذين غيّروا مجرى التّاريخ الإنسانيّ بجهودهم الاستثنائيّة، وتركوا بصماتٍ لا تُمحى.

في الواقع لا يحظى بالنّجاح إلّا الذين يسعون، ويكدُّون، ولا شيء يتحقّق بالصدفة، وإنّ كافّة أمم الغرب والشرق التي حقّقت التّقدم، هي التي اعتمدت الكدَّ والسعيَ مكوّناً أصيلاً في ثقافتها، الحكومات وحدها لا تستطيع أن تحقق تغييراً في المجتمع ما لم ينصهر أفرادها في بوتقة ثقافيّة قوامُها الصِّدق والنزاهة والأمانة وحبُّ السَّعي والاجتهاد، لأنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.


ومع السّعي والاجتهاد يجب التّخطيط لتحقيق الهدف؛ فلطالما يضيّع المرء جهوده بسبب ضبابيّة الهدف، وعدم ارتكازه على نقطة معيّنة، وكلّما توافرت له عناصر النّجاح فما من شيءٍ سوى إرادة الله تعالى يستطيع أن يمنعه من بلوغ هدفه، وقد قال الله تعالى في محكم تنزيله: ليس للإنسان إلّا ما سعى وأنّ سعيه سوف يُرى، وقال محمد علي كلاي أعظم وأشهر ملاكم في التّاريخ: «إنّ الأبطال لا يُصنعون في صالات التّدريب، الأبطال يُصنعون من أشياء عميقة في داخلهم، هي الحُلم والإرادة والرّؤية».