الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العابثون بالعقول

لا أعتقد أن هيربرت شيللر الذي ألف كتاب «المتلاعبون بالعقول»، كان يتوقع أن يأتي زمن العابثين بالعقول حقاً، لقد كان يقصد حينها أولئك القائمين بالاتصال والدعاية، والعاملين في مختلف مؤسسات الإعلام والاتصال، والذين يداومون على قصف عقول الناس بالحقائق أحياناً والأكاذيب أحياناً أخرى، وأنصاف الحقائق في مرات عدة، فنصل إلى تشكيل رأي عام وطني، أو دولي حول قضية محلية أو عالمية، لكنه رأي عام ضال، أو مضلل بسبب المتلاعبين بالعقول.

لذلك دائماً يتساءل غير العارفين عن سبب تعاطف الرأي العام في أمريكا مع إسرائيل مثلاً، ويقفون ضد الفلسطينيين وهم أصحاب حق وقضية عادلة، والسبب بسيط فأولئك شكلوا موقفاً بناء على ما غذتهم به وسائل الإعلام والاتصال، خصوصاً الكبرى والدولية منها.

الآن، ومع تطور وسائل الإعلام وظهور وسائل الاتصال التكنولوجية، وعلى رأسها الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، التي يتابعها ويستخدمها مئات الملايين من الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية، ازداد التلاعب والعبث بعقول الناس.


العابثون بالعقول يجلسون في كل مكان، يمتلكون كمبيوتراً نقالاً، أو هاتفاً ذكياً، ويتحصلون على المعلومات من المقاهي والحمامات والملاعب ومختلف الشوارع ويبثونها إلى الناس، الذين عادة ما يعلقون عليها بالإعجاب أو التحويل والتشارك، فضلاً عن التعليقات المخلفة.


إن المشكلة أن تلك المعلومات ليست بالضرورة صحيحة، لأن أصحابها ليسوا مختصين كالصحفيين، لكنهم يعتقدون أنهم «صحفيون مواطنون»، والمشكلة أن الملايين من الناس لا يمتلكون أدوات التأكد من صحة المعلومات، فيقعون ضحية العبث التكنوولجي، للدعاية والإشاعة والحرب النفسية والتضليل الإعلامي، وتزداد هذه الظواهر خلال الأزمات أو المواعيد السياسية مثل الانتخابات.

العابثون بالعقول، معظمهم بحسن نية، لكن الأقلية المؤثرة عادة تعي ما تفعل، وبعضهم يتلقون أجراً نظير ما يفعلون، سواء من داخل الأوطان أو خارجها.

لذلك عادة ما نشاهد بعض المعارضين خارج الأوطان يوظفون شبكات التواصل الاجتماعي، يستخدمون أساليب ملتوية وأحياناً وقحة، تصل حد التجريح والشتم وعدم مراعاة الآداب والأخلاق العامة.

في انتقاده للفضاء العمومي الذي تكونه شبكات التواصل، قال هابرماس: «الناس ليسوا على درجة واحدة من الوعي»، فهناك السياسي وهناك الأمي وهناك المثقف وهناك الكبير والصغير، ومختلف الشرائح الاجتماعية، لذلك فإن (الديمقراطية الإلكترونية) التي بشرتنا بها تكنولوجيا المعلومات، ليست بالضرورة ديمقراطية حقيقية، للتعبير عن الأفكار والآراء وتجسيد مقولة جيفرسون «السوق الحرة للأفكار»، قد انحرفت ولا بد من تقويمها، وحماية المواطن الصالح من عبث العابثين.