الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

العقل العربي.. واكتشاف مسارات فلسفية جديدة

كانت مقالتي السابقة عن الفلسفة الأكثر انتشاراً من بين كل مقالاتي السابقة التي تم نشرها، ولهذا السبب أود أن أطرح المزيد من الأفكار عمّا أظن أننا بوسعنا تعلمه أثناء استكشافنا لما قد تعنيه علوم «الفلسفة» في منطقتنا.

إن من أول وأهم الأمور التي سيلاحظها الطالب أثناء دراسته لعلوم الفلسفة هي ضخامة مجالات المعرفة التي تغطيها علوم الفلسفة، وبكل تأكيد، فإن وضع الحدود الفاصلة بين ما يدخل ضمن علوم الفلسفة وما يبقى خارجها، هو بحد ذاته إحدى مواضيع الفلسفة.

لا أريد أن أعمم، إلا أنني مضطر لذلك بسبب ضيق المساحة، ففي بريطانيا وأمريكا، يميل التقليد الفلسفي إلى التركيز على استنباط الحجج والمجادلة حول معاني الكلمات والمفردات، وكذلك التركيز على استنباط الحجج والمجادلة حول ما قد كان يعنيه الفلاسفة القدامى في أعمالهم، أضف إلى ذلك التحليل والتعمق في هذه الحجج والمجادلات نفسها، وكذلك العديد من المواضيع الأخرى المماثلة.


وتميل الفلسفة الأوروبية إلى أن تكون أكثر اتساعاً في نهجها، فعلى سبيل المثال، بعض علماء الفلسفة مثل الفيلسوف هايدغر Heidegger والفيلسوف سارتر Sartre يميل إلى الرؤية من منظور أوسع، فيناقشون معنى الوجود، وفكرة وجود الإنسان، وهناك أيضاً أعمال معبَّرة للغاية وبعيدة كل البعد عن الأسلوب الضيق الذي انتهجه الأنجلوساكسونيون، ومن ناحية أخرى تُنتَقَدُ الفلسفة الأوروبية لغياب الدقة في التعبير من قبلِ الأنجلوساكسونين.


قد يعترض البعض عندما أبدي اهتماماً كبيراً بفلاسفة الغرب، فكثيراً ما أسمع أحدهم يقول: إن لدينا علماءَنا المفكرين ايضاً، وإنهم هم الأجدى بوقتنا وجهدنا، وماذا عن فلاسفة العرب كأبي يوسف الكندي، وأبي نصر الفارابي، وابن رشد؟ وماذا عن فلاسفة الهند والصين أيضاً؟.

جوابي هو: أننا إذا أخذنا الوقت الكافي لدراسة وتتبع الحجج والمجادلات التي صدرت، ودراسة الرودود عليها، أثناء تطور مختلف مدارس الفلسفة الغربية، فإنه سيتضح لدينا وسنكتشف العديد من التساؤلات التي تخصنا نحن أيضاً، مما يعني، أننا سنبدأ من حيث انتهى الآخرون.

أضف إلى ذلك أنه قد تتطور الفلسفة الغربية إلى مرحلة ربط أسئلتها وحُجَجِها بالحياة اليومية والقرارات الشخصية للأفراد، بالإضافة إلى جعلها تلعب دوراً رئيسياً في قراراتٍ سياسية واجتماعية، مما يفتح أمامنا الطريق لتحليلٍ أعمقٍ وأدقٍ لمراكزِ القوة في العالم.

قد تقول: إن تطوير الحجج الجيدة ليس حكراً على الغرب، ربما لا، ولكننا نعلم جميعا أن قوة الأفكار هي التي تدفع عجلة التطور والتقدم، وأن المعارك الكبرى بين العديد من الأفكار القوية قد رُسِمت تفاصيلها، ومن خلال استكشاف أسباب نهضة الغرب وصعوده قد نجد أنه بإمكان العقل العربي أن يكتشف مسارات فلسفية جديدة.