الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

كيف أصبح العرب ضحايا العولمة ؟

ما من شك أنّ موجة العولمة قد تركت آثارها على مناطق مختلفة من العالم، وخاصة منطقتنا العربية التي استسلمت لها، وكان من أخطر أفكارها مسألة الحتميات حيث جادل البعض في ضرورة التماهي معها، انطلاقا من أنّ سماتها ومعطياتها ومفاعيلها أمر واقع، والتخلف عنها يعني الخروج من دائرة التقدم الإنساني، وعدم القدرة على مواكبة التطورالعالمي، وقد شمل تأثيرها مناح ومرافق ومجالات حيوية ومصيرية، واستطاعت أن تعبث في منظومة المفاهيم والثوابت والقناعات والخصوصيات والرؤى والمشاريع الخاصة بالأمة ومنها:

- مسألة الهوية والإنتماء: فقد جرى تحوير كبير لهذا الأمر ودفع باتجاه ما يسمى هوية عالمية، وانتماء عولمي على حساب الهويات والانتماءات الخاصة بنا، وكان من أهدافها تهيئة المناخ للقبول بالكيان الإسرائيلي، على اعتبار أنّنا في مرحلة كوكبية عابرة للحدود تقبل الجميع.

وغني عن القول أنّ الصراعات والاقتتالات الحاصلة اليوم في منطقتنا، كان أحد أسبابها العبث بالهوية الجامعة المركزية لصالح هويات فرعية زائفة، خاصة بعد حصول تَحوُر في مفهوم العدو والخصم للأمة لصالح أعداء آخرين جدد مصطنعين.


- الانتقاص من سيادة الدول: فقد قامت العولمة بأذرعها ومؤسساتها وقوانينها بالتدخل في كل مرافق الدولة، وتوجهاتها وربطها بالمصالح الخارجية.


- رهن الدول والمجتمعات اقتصاديا بالخارج: حيث أصبحت مقدرات الدول، ومواردها، ومرافقها الاستراتيجية، واقتصادياتها مرتبطة به بعد عمليات الخصخصة والبيع والرهن والديون والفساد، مما كلّفها أثمانا باهضة ستبقى الأجيال القادمة تتحمل وزرها لعقود وربما أكثر.

- ارتباط النخب العربية وفي معظم المجالات بالساحات الخارحية والدولية دون النظر والاهتمام بالداخل، مما جعل الشارع العربي يشعر بالانفصال عن هذه النخب وما نراه اليوم من اضطربات واحتجاجات هو نتاج هذا التوجه.

من الكتب المهمة التي أُلفت حول هذه المرحلة، وتحدثت عن بعض ذلك كتاب ( فخ العولمة ) لمؤلفيه الألمانيين هانس بيتر مارتين وهارالد شومان، نعم لقد كانت العولمة فخا وقعنا فيه، والنتيجة النهائية لهذه الفترة الخطيرة التي كنّا ضحاياها في العقديين الماضيين، أنّنا أصبحنا نعيش لحظة زمنية مصيرية، عنوانها الضياع السياسي والاستراتيجي والفكري والاقتصادي والثقافي والمستقبلي، فلا نحن حافظنا على هويتنا، ولا صرنا عالميين، ولا صنّا سيادتنا، ولا أصبحنا فاعلين دوليا، ولا كسبنا أنفسنا ولا قَدّرَنا الآخر.