الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

عيش عراقي في درجة 52%

اعتقد كثير من العلماء والفلاسفة عبر التاريخ، أن للطبيعة والمناخ بشكل خاص تأثيراً مباشراً على سيكولوجية البشر ومزاجهم، فعالم الاجتماع العربي ابن خلدون، ومؤسس علم السياسة ميكافيلي، ومؤلف روح القوانين مونتسكيو وغيرهم، ربطوا في كتاباتهم بين مزاج الإنسان والظروف البيئة التي فرضت عليه.

وتبقى نظريات العلماء بحاجة إلى كثير من الأسئلة، لأن بعضها يحمل طابعاً عنصرياً ترفضه الأنثروبولوجيا الحديثة، غير أن العلم المعاصر لم يتردد في مناقشة هذا الموضوع مجدداً، وصدرت دراسات عديدة تربط بين تغيير سلوك الفرد وبقائه في ظروف مناخية متطرفة، كحرارة الشمس المرتفعة أو تلبُّد السماء بالغيوم المعتمة طيلة فصل كامل.

سوف أترك الكآبة التي تعاني منها بعض الشعوب الإسكندنافية من جراء الشتاء الثقيل، الذي يخيم على الجزء الأطول من السنة، وأتحدث عن أكثر المناطق في العالم التي يأتي عليها الصيف بصورة وحش عملاق ومجنون، ليس في قلبه أي أثر للرحمة، حتى تتجاوز الحرارة فيه أعلى من نصف درجة الغليان، ومن أجل دراما متكاملة، فإنه يأتي وتغيب معه الكهرباء، وبغيابها نكون وجهاً لوجه مع الشمس في حفلة تعذيب جنونية، يفقد فيها الإنسان طاقته على تحمل نفسه.

ولا نستغرب ردات الفعل العصبية المتشنجة، أو الأعمال العدائية الخطيرة أحياناً، ذلك أن شمس يوليو وأغسطس تجفف المنابع اللطيفة في الروح، وتطلق قوى المزاج العصبي من سباتها، ليتحول بعض البشر إلى مجرد آلات عدائية، تعمل سلبياً بطاقة فقدان الكهرباء، فالإنسان الحديث، الذي تربَّى في عصر الكهرباء ـ التي أصبحت معطى طبيعياً مثل الماء والهواء ـ لا يمكنه تحمل الظروف المناخية أعزلاً إلا ويمسه شيء من اضطراب الروح والعقل.

وفي هذه الأيام، التي تجاوزت فيها درجة الحرارة في بلدي ـ العراق ـ 52%، ومع انعدام استمرارية التيار الكهربائي، ليس لدي ترف ألا أحلم بساعة واحدة، أجلس فيها على بلاط صالة البيت الباردة، فيما يعصف هواء المبردة بوجهي مثل نافذة في النعيم، أسحب نفساً عميقاً وأفكر بقيلولة الظهيرة، التي يغطيها شرشف خفيف، كأنني أصنع شتائي الخاص بعيداً عن مجانين الصيف.