الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تركيا.. دولة مرتبكة

أفاد بيان للرئاسة التركية خلال الأيام الماضية بأنّ الرئيس رجب طيب أردوغان عبّر عن استعداده لفتح صفحة جديدة في علاقة بلاده مع الاتحاد الأوروبي، شاكراً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على مساهمتها الوازنة في ذلك.

وفي بحثه عن مخرج لتبرير رعونته، ألقى باللائمة على ما أسماه ببعض الدّول التي تسعى إلى خلق الأزمة، وبعثرة أسس «التوافق الدولي الإيجابي»، دون أن يحدد تلك الدول المتهمة في نظره.

ومرة أخرى تسعى تركيا ـ كما هي عادتها - إلى التهرّب من مسؤولياتها في استفزاز الشرق الأوسط، وتحويل السلم بالمنطقة إلى بؤرة من التوترات، التّي لا تستقيم في وضع عالمي مضعضع ومأزوم.


عندما يصرّح أردوغان بضرورة إطلاق حوار مثمر مع الاتحاد الأوروبي في اتّصال هاتفي مع شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، فإنّه بذلك يتناقض مع تصريح سابق يؤكّد فيه عدم اكتراثه بأي قرار ضد بلده، فضلاً عن تنكّره للحوار الذي طلبته منه قبرص واليونان قبل أن يستفحش الأمر.


لقد تأكّد بطلان مناوراته غير المحسوبة جيّداً لمّا أصدرت أمريكا والاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات على خلفية أنشطة التنقيب في مياه قبرص، وممارسته لسلوكيات غير قانونية واستفزازية ضد أثينا ونيقوسيا، ما جعل منزلته كرجل دولة تصاب بتضرر كبير، وتكشف عن إفلاس في إدراكه لطبيعة ميزان القوى الذي يحكم العالم، وذلك أمر من أبجديَّات ممارسة الحكم، كما أنّ تراجعه يعكس بوضوح خللاً في قراراته السياسية وفي مصداقية تقديراته الدبلوماسية.

كان على تركيا أن تحسب جيّداً دخولها في مناوشات مع الاتحاد الأوروبي متناسية «إثم» شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية (إس 400)، بمعنى أنّها قامت بتحدّي أمريكا، التي ترى في هذه الصفقة خطراً على تكنولوجياتها العسكرية والأمنية، ما جعلها تتشدّد في فرض عقوبات على رئاسة صناعات الدفاع التركية، وهذا ما ذكره مايك بومبيو ـ وزير الخارجية الأمريكي في بيان رسمي بقوله: «إن الإجراءات التي اتُّخذت اليوم تبعث برسالة واضحة مفادها: أن الولايات المتحدة ستطبق القانون الأمريكي بشكل كامل، ولن تتساهل حيال أي صفقة كبيرة تتم مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين».

نلاحظ، أن تركيا أمام أزماتها الداخلية المتعدّدة تحاول ممارسة «فرجة دولية ممجوجة»، وهي عبارة عن لعبة إثارة المشكلات في كلّ الاتجاهات، بحثاً عن أفق للتخفيف من وطأة الضغوط الداخلية، التي لم تعد اقتصادية واجتماعية فقط، بل أصبحت سياسية تستقطب كثيراً من الفاعلين المدنيين والغاضبين داخل تركيا.

لكن، بالرغم من تهديدات أمريكا لتركيا بفرض عقوبات ضدّها، فإنّها تبقى ورقة احتياطية ثمينة لتنزيل استراتيجيتها الخفية في أوروبا والشرق الأوسط، وهذا ما يُفهم من تصريح مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية كلارك كوبر بقوله: «تريد الولايات المتحدة مواصلة علاقتها الثنائية الوثيقة مع تركيا.. وأن هناك خطة مشتركة لمعالجة الدفاع الجوي المتكامل معها وتثبيت علاقات التحالف».