الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

القرن الإفريقي.. والغرق في الفوضى

كانت الضربة الموجعة التي شنّها الجيش الإثيوبي، خلال شهر نوفمبر الماضي، ضد قوات «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» في شمال إثيوبيا، تفتقر للتغطية الإعلامية الكافية، وعادة ما يحدث في مثل هذه الحالات أن يتوقع المتابعون والمحللون أسوأ النتائج من خلال ما يمكن أن تخلّفه حملة ضارية كهذه من أضرار، وما تسببه من المعاناة والمآسي البشرية.

واتضح من التقارير القليلة الصادرة عن الوكالات الإنسانية المتخصصة، أن اللاجئين الإريتريين الذين تم إيواؤهم في المخيمات، دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة مشاركة الجيش الإريتري في دعم القوات الحكومية الإثيوبية، وحاول ألوف المدنيين من أهل تيغراي الفرار إلى السودان للنجاة بأرواحهم من بطش ميليشيات قبائل الأمهرة المحلية، التي اجتاحت المنطقة الغربية من إقليم تيغراي.

وكان العنصر الأكثر مدعاة للدهشة من مستوى العنف الذي سُجّل هناك، يتعلق بما سبق أن أكّده رئيس الوزراء الإثيوبي الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2018، من أن تلك الحملة العسكرية التي قام بها جيشه والتي تهدف لإنقاذ الأرواح، ستكون قصيرة، إلا أن جبهة تيغراي كانت قد جهّزت نفسها منذ فترة طويلة لخوض هذا الصراع عندما كانت تستأثر بحكم إثيوبيا كلها.


وهناك بؤر تهدد باندلاع صراعات جديدة أو تجدّد صراعات وأحقاد قديمة في أقاليم أخرى من تلك المنطقة، ربما يعود سببها للتحريض الممنهج من التيغرانيين، وأحد الأمثلة عنها، الصراع الذي يضع السلطات الإقليمية لمنطقة «بني شنغول - غوموز» المتاخمة للحدود السودانية، في مواجهة مباشرة مع حكومة إقليم أمهرة المجاور.


وتعود أسباب الصراع هناك لاحتلال واستغلال الأراضي الزراعية الخصبة من جانب المستوطنين الأمهريّين، بعد هيمنتهم الطويلة على الأقوام والقبائل المحلية المهمشة.

وهذه الصراعات المحلية التي تشتعل على طول الحدود الإثيوبية، تهدد وحدتها الوطنية، وربما تكون الأكثر خطورة لأنها تتزامن وتتداخل مع الصراعات وحالات التوتر الأعم، التي تعمل على تقسيم القرن الإفريقي برمته.

وهناك تحالفان محليان في طريق الظهور، يجمع الأول بين كل من: إريتريا وإثيوبيا والحكومة الصومالية المركزية في مقديشو، ويجمع الثاني بين كينيا وحكومة أرض الصومال «صوماليلاند» بالإضافة لبعض الكيانات الصومالية القبليّة الأخرى.

ويبدو، بكل وضوح، أن الاهتمامات والمصالح الاقتصادية تقع في مقدمة أسباب اندلاع هذه النزاعات، مثلما هي الحال في الخلاف القائم الآن بين إثيوبيا والسودان ومصر حول بناء سد النهضة وتقاسم مياه النيل، ولا شك أنها تعود أيضاً لأسباب سياسية معقدة.

وفيما يتعلق بوحدة أو انقسام الدول القائمة، يمكن القول: إن مظاهر الاستقرار والتطور في منطقة القرن الإفريقي أصبحت كلها في خطر.

ولعل القضية الأكثر أهمية الآن هي العمل على التمسك بالخيار الأفضل المتاح، الذي يكمن في العمل المشترك على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لهذه المنطقة، التي تستأثر بموقع حسّاس على مفترق الطرق الممتدة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.