الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حياتنا.. «ديستوبيا» و«يوتوبيا»

تترنح بنا الحياة كتائبٍ تتخبطه العفاريت تارة، وتنقشع عيناه بنور الملائكة تارة أخرى، فلا نحن ندري أنسير بين طرقات مدننا الفاضلة ونكتسي أثواباً يوتوبية في أيام تشرق شمسها علينا بالعبادة والعمل والرزق الوفير والربيع المزهر وبهجة الأبناء وحضن الأحباء، أم هي رحلتنا تلك التي تأخذنا عراة حفاة على مفترق جبال «ديستوبية» وعرة، نرمي أثقال أجسادنا عليها ونحن نناضل لأجل رزق لا ينقطع عن أفواه أبنائنا، وكلمة تخنق حناجرنا، إذ يمنعها الخوف من البوح المباح، ونوم سرقته الاتهامات اللامتناهية من أعراف كبّلت يد المنطلقين نحو الأمل، الباحثين عن معنى للحياة المأمولة.

وباء أراه يشبه ذلك الغول النائم في الكتب والأساطير ـ التي قرأتها ـ في ليلة ظلماء زرقاء، لا يسمع فيها سوى دوي الرعود وطعنة البرق، حوّلا كوننا إلى مدينة واحدة كبيرة «ديستوبيا»، كانت تدّعي الفضيلة وهي تلفظ أنفاس إنسانيتها الأخيرة على براثن حروب ونزاعات ومكائد تقتات من أرواح الصغار والعجائز وضفائر النساء.

جاء الغول كأنه نفخة صور أسكتت عجلات الحياة بأسرها، فلا صوت سوى دبيب الأجهزة، ولا رائحة سوى معقمات ملأت كل مكان.


لقد اختلطت المدن ببعضها، وغاب مسوخ المال، وعاد الأب إلى أحضان أسرته ليتعرّف عليهم ويعيد الاعتبارات الإنسانية التي فقدها وهو يلهث بين طرقات المدن الديستوبية.. عاد ليدرك أن الفضيلة تكمن تحت فراشه الذي لم يعد يسع أطراف أصابع رجله الجافة، فجفّت معها قلوب ظنّ يوماً أنها ستبقى كما هي، ولكن أيصلح العطار ما أفسده الدهر!