الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التعاطف.. والتضامن

تحرصُ الدول المتقدمة على تعميق القيم الإنسانية بين شعوبها والمقيمين فيها، وفي كل دورة جديدة من حياة تلك الدول تستنبط قيماً جيدة ترتبط بالظروف الاجتماعية أو السياسية المستجدة فيها، وبدورة الحياة والتاريخ التي تؤصل لفلسفة الدولة، ومن أهم القيم الإنسانية المتقدمة، التي لها أثر بالغ في تعميق المواطنة بين الشعوب قيمتا التعاطف والتضامن.

ففي الدول التي تحوي تنوعاً سكانياً وثقافياً تتفاوت درجة الاختلاف بين مكوناتها، تكون حاجتها كبيرة لغرس التعاطف والتضامن بين شعبها، وفي الدول التي شهدت صراعات سياسية ودينية قاسية منذ فترات تاريخية قريبة أو حتى بعيدة تكون حاجتها لقيمتي التعاطف والتضامن أكبر بكثير.

أن تتعاطف مع الآخر، أي أن تحس به وتقاسمه مشاعر الفرح والحزن في مناسباته الرسمية أو الخاصة أو أي ظروف قد يمر بها، لذلك فإن الأفراد رفيعي الخلق، هم الذين لا يتحرجون من مشاركة الآخرين تهاني أعيادهم الدينية أو الوطنية والمشاركة في احتفالاتهم.


أما التضامن فهو سلوك مباشر يعبر فيه الفرد عن دعمه ومساندته معنوياً ومادياً تجاه الآخر في حال تعرضه لأي طارئ أو حاجته لأي مساعدة.


وقيمتا التعاطف والتضامن من أهم أركان غرس المواطنة الصحيحة في المجتمعات المستقرة، إذ إنهما تطبقان على مستوى الأفراد وبين الأفراد بعضهم البعض، وفيهما ينتفي أي شعور بالتفوق والأفضلية، أو الدونية والثانوية، فلا أقلية ولا مهمشين في شعوب تتعاطف مع بعضها وتتضامن مع بعضها، والتضامن والتعاطف هما تعبيران صادقان عن قبول الآخر وتفهمه والتعايش الصحيح والتلقائي.

والأساليب التي تنتهجها الدول المتقدمة لتعميق التعاطف والتضامن بين المواطنين، تتم بآليات تربوية عبر تضمين تلك القيم في المناهج الدراسية والبرامج التعليمية، وكذلك بثها في الإعلام والأعمال الدرامية والسينمائية والإنتاج الأدبي، وأحياناً، في حال المعالجات الضرورية تقيم الدول المخيمات والرحلات المشتركة لمختلف مكونات الشعب، ليكتشفوا أنهم ليسوا مختلفين بالقدر الذي يتصورونه، وأن بإمكانهم خلق حياة إنسانية مشتركة متعالية عن ضغائن التاريخ أو مؤججات الواقع.

في عالمنا العربي، حيث تسود أفكار تراثية وتقليدية بأفضلية الذات وتميزها، وبالخطر الذي يمثله الآخر على جماعة الذات، من ناحية العرق أو الدين أو المذهب، ما يخلق عزلة بين مكونات الشعب، فإن غرْس قيم التعاطف والتضامن يصبح مهماً، خصوصاً على مستوى تفكيك تلك الأفكار بالدرجة الأولى، إذ إن حالة اللباقة الاجتماعية التي قد يظهرها غالبية الناس لا تعكس إيماناً حقيقياً بعدم وجود فوارق أو حواجز مع الآخر المختلف.