الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ما بعد أردوغان

إمّا أن يُحافظ الأتراك على تركيا أو يحافظوا على أردوغان، لكن لا يمكن الحفاظ عليهما معاً، إذ لم تعد الأمور كما كانت، فالغرب الذي لهثت تركيا وراءه عشرات السنين قد بدأ العقوبات عليها.

لقد وقفت أنقرة على أعتاب أوروبا تنتظر الاستئذان بالدخول لأكثر من نصف قرن، لكنها اليوم تواجَه بموقف أوروبي معادٍ على نحو غير مسبوق منذ سنوات طويلة، كما أن تركيا التي طالما تفاخرت بأنها ثاني أكبر الجيوش حجماً في حلف شمال الأطلسي، تواجه اليوم عقوبات عسكرية.

قام وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» بالحديث عن ثلاثة أبعاد تتعلق بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا بسبب شراء أنقرة لصواريخ (إس 400) الدفاعية الروسية، قائلاً: إن نظام الصواريخ الروسية يهدِّد أمن التكنولوجيا والأفراد في الجيش الأمريكي، وإنَّ الصفقة التركية توفِّر أموالاً لوزارة الدفاع الروسية، كما أنّ تواجد عسكريين روس في الجيش التركي وصناعاته الدفاعية يمثل خطراً على حلف الناتو.


وما إن فرضت واشنطن أول حزمة عقوبات على تركيا، حتى ذهب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس إلى ما هو أبعد، ففي مقاله بصحيفة نيويورك تايمز قال «جيتس»: إن تركيا ستواجه أوقاتاً صعبة، ولا يجب تركها من دون الخضوع التام للرفاق الكبار، فالأعمال التي تقوم بها أنقرة في شرق المتوسط وليبيا وسوريا يجب أن تحاسب عليها بمثل ما تحاسب على صفقة الصواريخ الروسية.


كما يعتبر «روبرت جيتس» تركيا دولة «مرتدة» داخل حلف الناتو، وأنه من أجل ضبط الصفوف الداخلية في عهد بايدن، يجب البدء بها قبل الانتقال إلى «المرتدين الآخرين».

إن عقوبات الاتحاد الأوروبي بسبب سياسات تركيا شرق المتوسط تتوازى مع العقوبات الأمريكية بشأن الصواريخ الروسية.

ولا تملك تركيا الانسحاب من الناتو، كما أنها لا تملك الدخول في حرب باردة مع بروكسل، ثم إنها لا يمكنها التحالف مع روسيا بديلاً للتحالف مع الغرب.

تراقب موسكو ذلك الانقلاب الغربي على أنقرة، ويرى البعض هناك أنه يجب استثمار ذلك في جذب تركيا أكثر خارج الغرب، وفي رأي دوائر البحث في روسيا فإن دور تركيا الأساسي بالنسبة للغرب هو خلْق حالة من التوتر وعدم الاستقرار في آسيا الوسطى بما يمثل ضغطاً هائلاً على روسيا والصين.. وتركيا المثالية للغرب هي التي تغادر شرق المتوسط لزعزعة الاستقرار في منطقة القوقاز.

لقد دفع ذلك صحيفة «أوراسيا ديلي» الروسية للقول: لا تتسرعوا في إطلاق النار على تركيا، فسوف تحتاجون إليها.. يجب ألّا تصطدم روسيا بتركيا، ذلك لأننا يمكن أن نتعامل معها ونجتذبها ضد الغرب.

هكذا أصبح الرئيس أردوغان في قلب الصراع العالمي، وبينما يملك الخصوم الأقوياء الكثير لإضعافه وربما إسقاطه، لا يملك أردوغان سوى ورقة التهديد بالجماعات المتطرفة، والإمساك بورقة الإرهاب.. لقد باتت المستجدات الجيوسياسية في العالم أكبر كثيراً من أردوغان وخطابه غير المسؤول.