الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التداوي بالماضي.. الزاد والإقامة

من منا لا يفرح باسترجاع ذكريات الماضي الجميلة! ومن منا لا يتوق إلى تكرار تلك اللحظات الخالية من الأحزان والمنغّصات..

الهروب إلى الماضي رحلة يخوضها البشر دون استثناء.. يخوضها الشيخ الكبير عندما تدور عليه الدوائر ويُردّ إلى أرذل العمر، ولا يجد أحداً حوله، عندها لا يجد سوى الهروب من الحاضر المؤلم إلى أمجاد الماضي وبطولاته، كما يخوضها الطفل الصغير عندما يصبح لا يحظى باهتمام وحنان والديه، الذي ربما انتقل إلى أخيه الأصغر.

النكوص إلى الماضي قد لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يتعداه إلى الشعوب والأمم، خاصةً تلك التي تعيش ظروفاً بائسة لسبب أو لآخر، فلا تجد مفراً للهروب من تعاسة وبؤس الحاضر إلا بالرجوع إلى الماضي الجميل، واسترجاع نجاحات وانتصارات السابقين.


من هنا، يمكننا استنتاج أن الهروب إلى الماضي دليل على عدم الرضا عن الحاضر وعدم الثقة في المستقبل، فيكون الماضي هو الملاذ الأكثر سعادةً وأماناً لمن لا يعيش واقعاً جميلاً.


تكمن الخطورة في أن تتحول رحلة «الهروب» هذه إلى «إقامة دائمة»، وفي سبيل ذلك يقوم «الهارب» بتزيين الماضي وتضخيم إنجازاته وربما تزييفه، والتغاضي بل وطمس جميع معالمه السلبية التي ربما تكون أكثر من الإيجابية منها.

لا يوجد مثال أفضل وأوضح لمن قرر هجر الحاضر والكفر بالمستقبل والإقامة الدائمة في الماضي، الذي تم تزييفه وتزيينه من الجماعات المتطرفة بكافة أطيافها، وخاصة الدينية منها، فأفراد تلك الجماعات فشلوا في إيجاد حلول لفشلهم وعثراتهم الشخصية، وكوّنوا مع أشباههم عالماً طوباوياً يعيشون فيه.. الماضي يجب أن يكون زاداً ودافعاً للمستقبل لا محلاً للإقامة.