الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

دمشق.. والفرصة الضائعة

لا تزال القضيّة السوريّة تدور في حلقة مفرغة من حيث ارتهانها للتجاذبات السياسية، والملفات المعقدة التي تحكمها الرهانات السياسية، وما ترتب على ذلك من فرص ضائعة، قد تكون مفتاحاً لأبواب تلك الأهمية المصيرية، لا سيما أن صنّاع القرار السياسي في دمشق لا يزال بإمكانهم - مستغلين الوضع الإقليمي والدولي الراهن - الولوج من تلك الأبواب إذا ما توفرت الإرادة لذلك.

لا شكّ أنّ القرار السياسي السوري ليس بهذه السهولة بعد التغلغل الروسي ـ التركي ـ الإيراني في مفاصل المشهد السوري، حكومة ومعارضة، بدءاً من الميدان وساحة الصراع الفعلية على الأرض وانتهاءً بدائرة صنع القرار السياسي، ولكن على الرغم من ذلك كان في مقدور وزير الخارجية السوري «فيصل المقداد» الذي تولى مهام وزارة الخارجية منذ أسابيع قليلة أن يستهل زياراته الخارجية بزيارة عربية لا بزيارة «إيران»، ولمن يسأل: لماذا؟ وما فائدة ذلك؟

نجيب: ببساطة، لأنّه ما عاد يمكن للسوريين تحمل تبعات اصطفاف حكومتهم مع دولة ذات أطماع توسعية، العالم بأغلبيته غاضب من تصرفاتها، فكان المنتظر من السّاسة السوريين استغلال المناخ الإيجابي العربي، الذي بدأت رياحه تهبُّ على الأشرعة العربية في العراق وليبيا، حتى في سوريا، لمواجهة التغلغل الأجنبي الذي طغى على حساب الوجود العربي.


انفتاح دمشق، أو بالأصح عودتها إلى محيطها العربي سيربك لا شكّ إيران وتركيا، وسيجعل هذه الدول تعيد حساباتها إلى ناحية مواصلتها التغلغل في الداخل السوري، مستغلَّة ابتعاد عاصمة الأمويين عن شقيقاتها العربيات، فإذا ما نهجت دمشق سياسة أكثر قرباً من الدول العربية فستتخلص لا محالة من مربع الابتزاز الخارجي، وتدخل دائرة المشروع العربي القائم على الجسد الواحد من محيطه إلى خليجه، خاصة في ظل ظروف عاصفة في المنطقة العربية، حوّلتها في مجملها إلى منطقة تصفية حسابات بين القوى العالمية.


المعطيات هذه تجعل من الخطوة التي غابت أو ربما غُيّبت عن السياسة الخارجية السورية ما هي إلا فرصة أخرى ضائعة كان يجدر العمل على استثمارها، وإعادة سوريا إلى المناخ العربي، الذي لا ينتظر اليوم من دمشق إلا أن تجعل من الهوية العربية عنواناً للسياسة السورية، وما عدا ذلك مجرد اختلافات في وجهات النظر أو حتى المسميات التي لا ترقى إلى حد القطيعة بين الأشقاء.